IMLebanon

سماحة السيد نصر الله، مقاوم وثائر! ألا تستقيم هذه المعادلة برأيك؟

 

 

سماحة السيد نصر الله

سلام من الله عليكم

 

سأفتح لك القلب، فأرجو أن تفتح قلبك،

 

  • أمضيتُ طفولتي وصباي في حزام البؤس، الضاحية الجنوبية اليوم، درستُ في مدرسة رسمية متواضعة جداً علّمتني التربية الوطنية قبل كل العلوم، مثل والدي تماما – رحمه الله – حين كان يمسك بيدي في طفولتي ويصطحبني الى دروس الثقافة الدينية والسلوك الإيماني التي كان يلقيها شيخ علامة جليل اسمه حسين عواد،الذائع الصيت في ذلك الزمن بتقواه وورعه وزهده وتنسكه، أظنكَ سمعتَ به كما كل المؤمنين.

 

ولكي تدرك مقام هذا الشيخ الجليل وقيمة دروسه في تهذيب النفس الانسانية أُخبركَ انني شاهدته بأم العينين وسمعته بأمّ الأذنين في احدى المرات يَعِظُ، نعم يعظُ وبصوت قوي حازم ونبرة واثقة سماحة الامام السيد موسى الصدر وبعض نوّاب الأمة الحاضرين، كانوا جميعا منصتين اليه باحترام جليّ في منزله الصغير جلوساً على الأرض على (طراريح) متواضعة جداً ومتكئين على مساند غير وثيرة ابداً،جدران الغرفة عارية والنوافذ من زجاج محجر دون ستائر،هنا ندرك سمو الزهد وقداسة الايمان ونبل التربية في دروسه التي لا تفارق ذاكرتنا الجماعية نحن ابناء ذلك الجيل، اذ تعلمنا الاسلام الحقيقي والايمان السمح دون ان نسمع أي توصيف ديني أو مذهبي تمييزي عنصري، وتعلمنا منه أيضا (ان الصلاة عادة والصوم جلادة ومعاملة الناس عبادة)، لقد قدّم سماحة الشيخ الجليل المعاملة على الصوم والصلاة، المعاملة بالحسنى و(السلام عليكم) وعلى كل الناس حتى لليهودي (رامي النفايات) قرب دار الرسول (صلعم)، فكيف اذن لأبناء الجلدة في الوطن اللبناني الغالي؟

 

  • منزلنا يا سماحة السيد يقع قرب مسجد الامام الحسين بن علي،كنا نستيقظ كل فجر على آيات القرآن الكريم لنذهب الى المدرسة. أما عاشوراء فكانت طقوسها الآسرة تجاور منزلنا.عاشت فينا معانيها الحقيقية الطيبة منذ الطفولة،بَكَيْنا الامام الحسين سيد الشهداء أيقونة التاريخ في مواجهة الظلم وتعلّمنا «أن نكون زيناً له» في رفض القمع والكيد والإستكبار و»أن لا نكون شَيْناً عليه» في مداهنة الطغاة والفاسدين. وبكينا أيضا سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وتعلّمنا منها ان لا نرضى الذلّة للآخرين مثلما لا نرضاها لانفسنا. لم نرضى الذل طيلة حياتنا، ولن نرضاه اليوم أوغدا لا لنا ولا لغيرنا أيّاً كان هذا الغير،وسنكون أوفياء لرأس الحسين المضرج ولصدر فاطمة المكسور رفضا للبغي والفساد.

 

  • كتبتُ لكَ يا سيد حسن منذ سنة و ثمانية اشهر في صحيفة النهار،بعد أن أعلنت في خطاب متلفز أنك ستشرف شخصيا على ملف مكافحة الفساد، كتبت مقالا علميا بحثيا دون أية خلفية سياسية تحت عنوان: (سماحة السيد نصرالله، عذراً لن تتمكن من مكافحة الفساد)، وختمتُ:(ونستنتج:عذرا،سماحة السيد،لن تتمكن من مكافحة الفساد،واذا تمكنت،فأظن ان اللبنانيين بأغلبيتهم الساحقة- وانا معهم بالتأكيد-سيشرفهم الجلوس في الصفوف الخلفية في مجمع سيد الشهداء ويصفقون لكم أمام الشاشة العملاقة). وهنا أرجوك مجدّداً أن تفتحْ قلبك وتسمعني بمحبة وأخوة انسانية واجبة يا صاحب السماحة :

 

أ- ان منظومة الفساد تعمل ضد خطابك السياسي المعلن قبل ان تكون ضد الناس المظلومين والمقهورين، المسحوقين قهراً لا ينقص عن قهر سيد الشهداء وسيدة نساء العالمين، إنّ وجع الناس في كراماتها لتفيض به المآقي ولا يراه مسؤولو السلطة جميعا. لِمَ ترضى يا سيد حسن بهذا الظلم أن يستمرّ

 

والقِرْبة في الضمير شاخصةٌ قبل ان يكون مجسمها على بوابة مقام الامام الحسين في كربلاء والسهام اللئيمة الحاقدة تنخرها؟ أقول لك أنني عندما رأيتها على تلك البوابة أدركت مجددا كم أن الحرية والكرامة غاليتان على كبار النفوس،وانهما ليستا حكرا على أية طائفة أو مذهب أو طبقة في لبنان كما في رياح الأرض الأربع.

 

ب – لا نقبل أن تكون الصورة الدينية السمحاء مختزلة بدراجات نارية تجوب الشوراع وتهتف مذهبياً وطائفياً بتحريض مقيت واستفزاز بشع، فالأرواح والأرزاق غالية من عند الله وما توعدون .وأنت ايضا لا تقبلها، أليس كذلك يا سيد؟

 

ج- ماذا يريد الناس؟ بكل بساطة يريدون الحرية والعدالة. ساعدهمْ يا صاحب السماحة في (انتفاضة العدالة) التي كنتَ أوّل من أيّدها منذ بداياتها، إنتصرْ على الفساد وانتَ الرابح الاكبر قبل كل الشعب،التاريخ يقدم لك اختبارا لن يتكرر:لا تغير رأيك في تأييد الانتفاضة،واكبها وتابعها بصدق كما تتابع عطر تراب الجنوب الحبيب،ضع انتفاضة الناس الطيبين في ميزان قلبك وأنت الفائز فوزا عظيما.

 

انها الصحوة،تلقفها،انها فرصة التاريخ ولن تتكرر،تلقفها قبل أن تنفجر بين أيديكم،حتى هزيمة (انتفاضة العدالة) لا سمح الله ستكون انفجارا بوجهكم،ساعد الشعب على استعادة كرامته بعد أن ناضلت وقدمت فلذة كبدك – رحمه الله سبحانه – لاستعادة كرامة الوطن،لا تقبل بهزيمة شعب أمام الظلم والجور واللاعدالة. صدّقني أن مصلحة المقاومة تكمن اليوم قبل كل شيء في العمل على تأمين الحرية والكرامة الانسانية كما الحاجات المعيشية والتعليمية والصحية والاجتماعية للشعب المظلوم منذ عقود طويلة، ظلمٌ لا شبيه له في العالم، ظلم ابشع من ظلم الاحتلال الصهيوني الوحشي،اذ لا حرية ولا كرامة ولا مقاومة في ظل الظلم والفساد.لا تقبل بأن تكون خيرات الوطن الذي ناضلت لتحريره في جيوب طغمة فاسدة ظالمة.

 

واجبك الديني أن تفتح قلبك وتسمعني،والدنيوي أيضا : مقاوم وثائر في آن معا،ألا تستقيم هذه المعادلة برأيك؟ أظن أنها تستقيم…قرأنا: اشبع ثم تفلسف، نقول:اشبع بكرامة ثم قاوم، الخبز والكرامة والحرية والعدالة ثم المقاومة.

 

فهل تقبلْ ان (يستكتِر) حكّام السلطة الجائرة بآذان صمّاء على الناس كراماتهم ومستقبل آمن لأولادهم؟ألا يحق لهم ان يثوروا؟صديق ميسور اخبرني ان ابنه الشاب ابن ٢٠ سنة هاجر الى المانيا قائلا لوالده: (مصاري معنا يا ابي بس انا بدي كرامة). فكيف اذا اجتمع الجوع والذلة على شعب مقهور مسحوق؟ كم حُسيناً ثائرا قد يولد عند باقي مكوّنات الوطن؟أترضى ان ينهزم حسينيون والكرامة ليست حكراً على طائفة أو مذهب او شارع او خندق أو زقاق،الكرامة عزيزة جدا وكل يوم قد يكون عاشوراء وكل أرض قد تكون كربلاء بآلام جديدة ومآس جديدة يمكن تداركها.ان عدم تداركها هو جريمة بحق الدين والوطن والانسانية.

 

د- شارِكنا النداء التالي لمسؤولي السلطة الصماء يا سماحة السيد، ورجالك معهم ومنهم كما تعلم : لماذا التخوين الممنهج كلما ظهر الحق من الغي؟ لماذا تحاولون (شَيْطَنة) جماهيرغاضبة ذات هوية لبنانية صافية ؟ لماذا تحاولون (صَهْينَة) حراكها من أجل لقمة عَيْشها ؟ لماذا تحاولون (أمْرَكَة) نضالها من أجل مستقبل أطفالها؟ إنها – يا رجال السلطة – بكل بساطة (انتفاضة العدالة) بسلام، أنظروا في عيون شاباتها وشبانها،أولادكم وأبناء جلدتكم،تحلوا بثقافة الحوار الانساني وحاوروا صوتهم،لا تطلبوا هوياتهم لغايات مبيتة في نفس يعقوب،هويتهم هي في صوتهم الهادر الواضح في المطالب والأحلام والآمال ببناء وطن ودولة لأولادهم،بادروا الى تنفيذ مطالبهم المشروعة وفي طليعتها مكافحة الفساد ووضع حد لنهب خيرات الوطن،لا تصمّوا اذانكم عنهم حتى لا يصمّ التاريخ الآذان عنكم.

 

والسلام عليكم رحمةً من الواحد الاحد القدوس الصمد.

 

#نعم_للحوار_وللإنسان_لا_للعنف

 

#اعلان_جنيف_للحوار_٢٠١٥

 

#انتفاضة_العدالة