IMLebanon

موازين «ضميرية»!

 

 

في اللغو (المعيب ذاته) الخاص بإعادة إحياء الحديث الميت سريرياً عن «الحل السياسي» في سوريا، أشياء من وخْزات الضمير أكثر بكثير من السياسة ومشتقاتها وموازينها الخطيرة، إقليمياً ودولياً.

 

كأنَّ «المجتمع الدولي»، المتّفق على اختصاره بالأمم المتحدة، وهذه المتّفق على توصيفها بأنها تشبه جماعات حقوق الإنسان التي «تراقب» و«تستهجن» و«تدين» و«تقلق».. إلخ، والتي لا تملك منذ أزمان طويلة أن تعطّل أو تقرّر أو تمنع أو تلجم أي حرب أو معركة أو مذبحة أو نكبة صغيرة أو كبيرة طالما أنّ سلطتها التنفيذية (مجلس الأمن) معطّلة سلفاً بالفيتوات المتبادلة وبانعدام الطرق والأساليب الكفيلة بتطبيق قراراتها (الكثيرة!).. كأنَّ هذه التركيبة برمّتها، والجزء الأورو – أميركي منها تحديداً، «تشعر» بعد سبع سنوات عجاف من أسوأ نكبة بشرية من نوعها بعد الحرب العالمية الثانية، بوخْزات في «ضميرها» لم تعد المواقف «الأخلاقية» و«الإنسانية» و«الاستنكارية» كافية للتغطية عليها. أو لتلطيف دونيّتها مقارنة بحسابات المصالح الكبرى في السياسة والاقتصاد والمال والأحكام المسبقة والهويات المتقاتلة ومستجدات «الإرهاب» وطلاسمه وتوظيفاته!

 

ووخزات الضمير تولّد أو تعكس أو تدلّ على شعور بالذنب مردّه في المحصّلة العامة، تكتيف اليدَين والتفرّج من بعيد على واحدة من أسوأ، إن لم يكن أسوأ النكبات المسجّلة في التاريخ البشري الحديث، وفي ذروة العولمة التي تربط الناس والأجناس والدول شاءت أم أبت برباطها الحتمي في الأسواق والتجارة والمال والطاقة.. إلخ، إضافة إلى الرابط التقني الذي أحدثته ثورة الاتصالات وجعلت الخبر المميّز أكان في الأسكيمو أم في جنوب أفريقيا، خبراً مباشراً على وسع الكرة الأرضية..!

 

زادت تفاصيل ويوميات نكبة السوريين على الحدّ الذي يمكن «تحمّله» في دول الرفاه و«القرار» في الغرب، لكنها في العموم لم تطمس الحسابات الباردة المبنية على «قيمة» الجغرافية التي تدور عليها المذبحة! و«نوعية» الضحايا! وبالتالي كان لا بدّ من سبيل وسطي بين انعدام الدافع إلى والرغبة في التدخل لوقف ما يحصل، وبين دوام الاستنكاف واستطابة الجلوس على الشرفة.. وذلك تمّ ويتمّ من خلال الإكثار من المواقف الإنشائية والوعظ الإنساني والبلاغات الدّالات في عمقها على ترف أخلاقي أكيد عند أصحابها، وعلى حساسيتهم الأكيدة في كل حال، إزاء الانتهاكات المسجّلة في حق مدنيين عُزّل ارتكبوا جريمة المطالبة بالحرّية والعدالة في وجه نظام أقام ولا يزال مقيماً في مناخات ستالينية تامّة!

 

ثم كان لا بدّ من رفد ذلك بالإكثار من الضجيج السياسي المُخادع الذي يوحي بالهمّ والاهتمام.. لكنه لا يُعدّل في مسار المذبحة شيئاً! ولم تكن هذه لتدفع إلى التدخل الفرعي الذي جرى (ميدانياً)، لولا واقعة «الإرهاب» المتأسلم العدمي والعبثي الموبوء والمفتعل والوظيفي، وإفرازاته خارج أرض الحرب، في أوروبا (الغربية) خصوصاً.. والواصلة تأثيراته الحتمية والمقصودة في السياسة والإعلام (وعلم النفس) إلى الولايات المتحدة التي لم تبرأ تماماً بعد من تداعيات العمل الإرهابي الأكبر من نوعه في التاريخ، في 11 أيلول 2001.. ثمّ بعد ذلك، لولا موجة النزوح التي اعتُبرت الأسوأ في القارّة العجوز منذ الحرب العالمية الأخيرة..

 

الإكثار من اللغو مجدّداً بـ«الحل السياسي» يشبه الإكثار المقصود في «تحليل» و«قراءة» الضربة الصاروخية الأخيرة لمعاقبة بشّار الكيماوي، قبل حصولها وبعد حصولها. بحيث أن الأمرَين في خلاصتهما مثل الزبد الذي يذهب جفاءً، لا يترك أثراً في الأرض ولا ينفع الناس شيئاً! بل الأمرّ من ذلك، هو أنَّ حديث «الحل» المُدّعى هذا يكاد يطغى على تطهير عرقي مفضوح جرى ويجري في حق مئات ألوف البشر في الغوطة ونواحيها، فيما تهويشة الصواريخ الأخيرة غطّت أو تكاد على الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبها السفّاح الأسدي بالأسلحة «المحرّمة دولياً»!

 

أم تراها القياسات «الطبقية» و«الدينية» و«النوعية» و«الهوياتية» التي تقيم الدنيا ولا تُقعدها إزاء تسميم معارض روسي في أوروبا، فيما لا يعنيها شيئاً فعلياً وعملياً و«ضميرياً»، مصير ملايين البشر السوريين؟!!

 

علي نون