IMLebanon

«جُرصَة» اللغة الأجنبية… الرسوب يفرض تعديلاً في الإمتحانات؟

«هات البيكار»، «وَينو كتابك؟»، «5 ضرب 6؟»، «حَوِّء الفاعل»… وغيرها من التعابير التي تتردّد على مسامع التلاميذ في الصف، ومن المفترض أن تكون باللغة الأجنبية سواء بالفرنسية او الانكليزية، لكنّها أقرب إلى «الدّارِج». والنتيجة؟ أقلّ ما يمكن وصفها بالمرّة أو المُخجلة، فمن أصل مئة ألف و341 طالباً خضَعوا للامتحانات الرسمية، «بِالكاد» نجح الربع في مادة اللغة الأجنبية، بحسب ما أظهرته إحصاءات دائرة الامتحانات في وزارة التربية.

81 في المئة من طلاب فرع الاجتماع والاقتصاد، 72,21 في المئة من طلاب الآداب والانسانيات 52,87 في المئة من طلاب المتوسطة رسبوا في مادة اللغة الاجنبية في الامتحانات الرسمية، الدورة العادية، هذا العام. في المقابل لم ينجح إلّا 51,21 في المئة من طلاب علوم الحياة و51 في المئة من طلاب العلوم العامة. على سبيل المثال، في فرع الاقتصاد، من أصل 17992 طالباً خضعوا لامتحان اللغة الاجنبية نجَح فقط 3544 منهم، وفي مادة الآداب والانسانيات، التي من المفترض ان تشكّل أساس الفرع، نجح 535 فقط من أصل 1925.

«حقيبة التربية»

بعد تحديد رئيس اللجان الفاحصة المدير العام لوزارة التربية، فادي يرق، الاسبوع المنصرم، مواعيد الامتحانات الرسمية، بدأت التحضيرات الجدية تأخذ مسارها الطبيعي لهذا الاستحقاق، سواء في أروقة وزارة التربية، أو من قبل إدارات المدارس المُدركة لمسؤولياتها، والعيون مشدودة على التغيرات التي قد تشهدها الامتحانات الرسمية.

لا شك في أنّ تشكيل الحكومة وما أثير من جدل حول حقيبة التربية أرخَى بُرودة لدى بعض التربويين من منطلق «انطِرو شوَي لنعرف الوزير الجديد بَلكي عندو تعديلات»، إلّا أنّ الغالبية ترى أنّ «الامتحانات بَدّا تِنعَمل…، وما تِنسوا إنّا آدمين عا شهر رمضان».

ومع تفعيل محركات التحضيرات والنَّفضَة التربوية المتواصلة، لا بدّ من العودة إلى النتائج بالنسَب المئوية التي أظهرتها الامتحانات، والتوقف تحديداً عند مادة اللغة الاجنبية التي شهدت أعلى نسبة رسوب.

في هذا السياق، إلتقت «الجمهورية» مقرر لجنة اللغة الفرنسية لمرحلة التعليم الثانوي الاستاذ انطوان القسيس، الذي انطلق من تغيّر النظرة إلى المدرسة قبل التوقّف عند واقع اللغة الفرنسية «غير المُشجّع».

فيقول: «ما عادت المدرسة تلك التي عرفناها في السابق، وكأنّ الاهل يرسلون أولادهم إليها لمجرد أن «يروحو عَنن»، ويتسنى لهم الاهتمام بيومياتهم، أمّا هاجس التلميذ الاكبر فهو العلامات وكيفية ضمان المعدل ليس أكثر، ما يولّد لديهم خمولاً فكرياً ويحدّون بذلك آفاق مداركهم».

أسباب الرسوب

يولي القسيس أهمية كبيرة للغة، إذ يعتبرها من «المكتسبات التي تميّز طالباً عن سواه، سواء على مقاعد الدراسة في المدرسة أو الجامعة لاحقاً». أما عن اسباب نسبة النجاح المتدنية لطلاب شهادة الثانوية العامة فيفنّدها قائلاً: «نحن أمام باب واسع جداً من المسبّبات، أولاً: السياسات التربوية التي تعمد إلى إنجاح أيّ كان بصَرف النظر عن مستواه او جدارته، لم تعد مقولة «من طلب العلى سهر الليالي» هي الرائجة.

ثانياً: البرامج الجديدة أعطت ساعات أقلّ للغة الفرنسية، في الماضي كنّا نقدم للمرحلة الابتدائية نحو 12 ساعة لغة فرنسية في الاسبوع، أمّا الآن فنقدم بين 6 و8 ساعات ليس أكثر».

ويضيف: «ثالثاً، أتت الامتحانات الرسمية ووزعت مستوى العلامات بشكل غير عادل، أضف إلى ذلك أنّ مجموعة كبيرة من الطلاب يدرسون حسابياً، أي أنّ مسابقة اللغة الفرنسية تساوي رقماً واحداً في الرياضيات فرع العلوم العامة، فيفكر في نفسه، لماذا أتعب في مادة لن تحصّل لي العلامات المطلوبة، طالما يمكنني أن أحلّق في مادة أخرى؟! يأتي ذلك على حساب الفرنسية».

ويتابع القسيس: «لا ننسى أنّ محتوى برنامج اللغة الفرنسية في الثالث ثانوي واسع وهائل ويشمل بعد الـ allègement او تعديلات هذه السنة محتوى الاول والثاني ثانوي مقارنة مع اللغة العربية، ما يتطلّب جهداً أكبر من الطلاب، مع الاشارة إلى أنّ العدد الاكبر منهم يتهرّب من الابحاث الصفية او الدرس والفروض التي تساعده على إغناء فكره وتحسين قدراته اللغوية».

ويتوقف القسيس عند «الوَيلات» التي يصادفها في الامتحانات الرسمية، رافضاً اعتبار الاساتذة «بخلاء» وكأنّ العلامات من كيسهم، قائلاً: «كلجنة، نحن متفقون على ان نضع نصوصاً تحاكي اهتمامات المرشحين ومستواهم، ولكن رغم سهولة النصوص التي تُطرح وبعض الاسئلة، هناك من يقدّم ورقة بيضاء، وآخر لا يجيب عن كامل السؤال إذ إنه يهرول خلف ما هو جاهز بمتناول النظر وليس التفكير».

ويضيف: «لا أستغرب نجاح فقط طلاب العلوم العامة وعلوم الحياة، فهؤلاء في صفوفهم ينجحون عن جدارة وبروح التحدي، فيما معظم من هم في الآداب والانسانيات تمّ رفضهم في فروع أخرى، فنجد نسبة عالية للرسوب. وكذلك في فرع الاقتصاد الذي يختاره البعض لمحدودية الخيارات، في ظل عدم توافر الفرع الأدبي في المدارس كافة، فيسيء بذلك حتى الى مستوى الفرع».

قمة الفشل

قد يستغرب البعض ويجد في الحديث عن تدنّي المستوى مبالغة، إلّا انّ امتحانات الدخول إلى الجامعات تأتي لتضع الإصبع على الجرح، فيقول القسيس: «المؤسف أنّ أساتذة في الجامعة أيضاً يتذمّرون من المستوى إذ غالباً ما يصعب قبول الطالب من دون إخضاعه إلى دورات لغات مكثفة وتحديداً بالفرنسي. لذا، إنّ مشكلة عدم امتلاك اللغة تكبر مع طلابنا ما لم يتنبّهوا لها باكراً».

ويتابع مستغرباً: «حتى هؤلاء أنفسهم يتحولون في المستقبل إلى مدرّسين عاجزين عن إعطاء المادة بلغة أجنبية، فيشرحون الرياضيات بالعربي المحكي وكذلك الفيزياء وغيرها، فأين يسمع الطالب اللغة الاجنبية ويستفيد؟ او أيّ صورة عن اللغة تطبع في تصوّراته من خلال اساتذته ومستواهم اللغوي؟!».

من هذا المنطلق يقترح القسيس إعادة الاعتبار للغة الاجنبية وللامتحانات الرسمية وللترفيع في القطاعين الخاص والرسمي، بهدف إنجاح التلميذ بالجدية والجدارة المُحقّتين».

التمسّك بالتفاؤل

أما بالنسبة إلى طلاب «المتوسطة» فالمستوى ليس أفضل بكثير، ففي الدورة الاولى نجح 47 في المئة، وفي الثانية 23,8 في المئة فقط. وعلى رغم ذلك تتمسّك منسّقة اللغة الفرنسية ندى جرجس الراعي في الامتحانات الرسمية لـ«المتوسطة» بتفاؤلها، وتوضح لـ«الجمهورية»: «تتعرض اللغة الفرنسية منذ مدة لمنافسة، ونحن على يقين من ذلك، ونحاول استيعابها قدر الامكان. صحيح أنّ نسبة النجاح لم تبلغ المعدل حتى الآن، ولكن في نظرة سريعة الى الاعوام المنصرمة نلمس شيئاً من التقدم ولو البسيط ونطمح إلى تحسينها».

وتشرح عن أسباب تدني المستوى، فتقول: «أولاً، الكتاب المدرسي الرسمي الذي لم يتغير منذ سنوات بانتظار استكمال ورشة تعديل المناهج. ثانياً، تدريب الاساتذة ومضاعفة مهاراتهم على نحو يفرض على كل أستاذ الخضوع لدورات لغات، ومواكبة المطبوعات الحديثة، وإلّا سيعجز عن تعزيز قدرات تلاميذه العلمية».

تعديل في الامتحانات؟

ولدى سؤالها: هل التدنّي في اللغة الاجنبية سيفرض تعديلاً في الامتحانات وطبيعة الاسئلة؟ تجيب جرجس: «نحن دوماً بصدد النظر في طبيعة أسئلة المسابقات آخذين في الحسبان احتياجات التلاميذ واهتماماتهم، فنحرص على اختيار نصوص قريبة من يومياتهم».

وتضيف: «أمّا موقع الطالب فهو يتعزّز تدريجاً . على سبيل المثال، بعدما لمسنا ضعفاً في التعبير الكتابي (16 نقطة من اصل 40)، فمن التعديلات التي اقترحناها ومن شأنها أن تحسّن ظروف الطالب وعلاماته، على مستوى التعبير الكتابي، بات على الطالب ان يختار موضوعاً من موضوعين مطروحين، بعدما كنّا نلزمه بموضوع واحد». وتتابع: «حاولنا كلجنة امتحانات الاقتراب من الطالب من دون أن نمسّ بالتوصيف الرسمي ولا بمستوى الشهادة اللبنانية».

«الحق ع التكنولوجيا

لا تنكر جرجس انّ بعض الاساتذة يتحمّلون قسماً من المسؤولية في تدني مستوى اللغة بين الطلاب، فتقول: «تتوزع المسؤوليات، ولكن لو انّ مدرّسي المواد مثل الرياضيات، الفيزياء، وغيرهم يدرّسون موادهم باللغة الاجنبية السليمة ما يعني انّ الطالب يتعرض لأكثر من 6 ساعات لغة فرنسية، لكان المستوى أفضل ممّا عليه الآن».

وتجد جرجس أنّ لوسائل التكنولوجيا تأثيراً في التلاميذ، قائلة: «إعتادوا الصور المتحركة، وباتوا ينفرون من النصوص المتوسطة الحجم، نتيجة تعرضهم لوسائل التكنولوجيا من لوحات إلكترونية وهواتف خلوية وغيرها».

وتضيف: «إنّ آفاق بعض التلاميذ هي ضعيفة في الحقل المعجمي، وهذا ليس فقط لإحجامهم عن المطالعة، إنما لاعتيادهم على أدوات التكنولوجيا التي تصحّح الخطأ الاملائي، ما عاد الطالب يشغّل مخيلته أو قدراته الذهنية، وبما أنّ هناك من يفكر عنه، لم يعد يجد أنّ هناك حاجة ليبذل جهداً خاصاً»، داعية المدارس الى «استبدال أيّ حصة فراغ بالمطالعة وتعزيز مكانة المكتبة في المدرسة».

الشهادة عدد المشتركين عدد الناجحين نجاح%

المتوسطة 56545 26650 47,13%

الاجتماع والاقتصاد 17992 3544 19,7%

الآداب والانسانيات 1925 535 27,7%

علوم الحياة 14065 809 51,2%

العلوم العامة 5371 2739 51%