«تفه عليكم»، قالها وزير الداخلية السابق مروان شربل، وهو يكاد يلطم خدّيه أثناء تفقّده ورشة ترميم المبنى (د) في سجن رومية، للشركاء في فضيحة الملايين التي راحت هدراً من دون الالتزام بشروط الترميم. لكن الدولة تبدو مصرّة على الإمعان في هدر أموالها وماء وجهها: المتعهد المخالف في الـ(د) كلّف بترميم المبنى (ب)، وربما بقية الحروف الأبجدية، بإشراف العميد الذي عوقب مسلكياً بسبب تغطيته الفضيحة
أواخر الشهر الفائت، انطلقت ورشة ترميم المبنى (ب) في سجن رومية بعد إنجاز الخطة الأمنية التي أنهت أسطورته ونقلت نزلاءه إلى المبنى (د). المبنى الذي يشهد ورشة أشغال، للمرة الأولى منذ تشييد السجن في الستينيات، سائر على خطى شقيقه المبنى (د) في الترميم والتأهيل. وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يرعى الورشة ألزم المتعهد بإنهاء الأشغال في غضون ثلاثة أشهر، وتسليم المبنى الى الوزارة بتاريخ 22 نيسان المقبل. وعندها، سينقل المحكومون إلى المبنى المرمّم ليبدأ ترميم مبنى المحكومين. وإثر إنجاز هذا الأخير، ينقل إليه، مؤقتاً، السجناء الأحداث لتنطلق الورشة الخاصة بمبناهم. هكذا تكون الوزارة قد أنجزت خطة ترميم السجن .
في المبنى (ب) ورشة لا تهدأ. العمال يبدأون دوامهم منذ ساعات الفجر حتى حلول المساء، يتوزعون على فرق تتقاسم تأهيل شبكات الكهرباء والمياه والمراحيض وطلي الجدران والأبواب والنوافذ… السجناء وعائلاتهم والمواطنون والجهات المانحة التي تموّل الورشة (عدد من الهيئات الحقوقية الأهلية) ووزير الداخلية، ينتظرون تسلّم مبنى نموذجي. لكن حساب الحقل قد لا يطابق حساب البيدر. الدولة التي أنفقت تسعة ملايين دولار سابقاً على ترميم المبنى (د)، اكتشف وزير داخليتها السابق مروان شربل لدى تسلّمه المبنى أنها ذهبت هدراً بسبب التشطيب الذي لم ينتج غرفاً توفر المستلزمات الضرورية للسجناء ووفق المواصفات المطلوبة. يومها سمع الجميع صراخ شربل وتهديده: «ولك تفه عليكم وعلى هالشغل. أنتم جماعة مكتب الأبنية، بعرفكم، وبعرف الكومسيون يلي بتاخدوه لجيابكم. ما رأيته لا يُكلّف أكثر من مئة دولار. أين ذهبت الأموال؟ سأحاسب الذي وضع دراسة التأهيل والترميم. يا عيب الشوم عليكم»!
موقع «يديعوت أحرونوت» عن مصادر سياسية إسرائيلية استغرابها للتقارير
وأشار تقرير شربل حول مخالفات الصيانة والترميم يومها إلى «نش في السقف، وعدم استبدال قساطل الصرف الصحي الأساسية في المناور رغم اهترائها، كذلك فإن صنابير المياه داخل الغرف ظاهرة وغير مثبتة ما يسمح بنزعها بسهولة، فيما كراسي الحمامات والمغاسل مركبة من مادة البورسلان، ما يسمح بكسرها وتحويلها إلى آلات حادة». وزاد أن «أبواب الطبقات والأجنحة لا تغلق بشكل محكم، وحواجب أبواب الغرف فارغة ما يسمح للسجناء بإخفاء ممنوعات داخلها، وبعض مصافي المياه في الحمامات غير صالحة لتصريف المياه، وبعض النوافذ الداخلية لا تفتح وتغلق بسهولة، والطلاء الخارجي للمبنى تم بصورة سطحية، وممرات الأجنحة غير مجهزة بإنارة كافية، ما يعوق المراقبة بشكل جيد إلخ …».
إثر انكشاف الفضيحة، ألّفت الحكومة لجنة وزارية تضم سمير مقبل ونقولا صحناوي ومروان خير الدين، مستندة إلى تقرير أعدّه شربل لخلاصة الورشة، علماً بأن الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال طرحت مناقصة لترميم المبنى بعد انتفاضة السجناء عام 2011، وأنجزت الأشغال منتصف تموز من عام 2013.
في الظاهر، لم تساهم الدولة في قرش واحد في الورشة الجارية في المبنى (ب) الجارية حالياً. لكن المفارقة أن تلزيم الأشغال أُعطي للمتعهد خ. ص.، وهو نفسه الذي فازت شركته بأشغال ورشة الـ(د) بمناقصة وصلت قيمتها إلى نحو ستة ملايين دولار. ويبدو أن الدولة تصرّ على أن تجرّب المجرّب، ليس المتعهد فحسب، بل أيضاً ن. ف.، الضابط المسؤول في مكتب الأبنية في قوى الأمن الداخلي والمسؤول عن وضع دراسة ترميم المبنى (د) الذي عوقب مسلكياً بنتيجة التحقيقات التي طلبها شربل يومها، ووُضع الضابط، بناءً على توصيته، في تصرف المدير العام لقوى الأمن الداخلي (في عهد اللواء إبراهيم بصبوص). حينها كان الضابط برتبة عقيد. أما الآن فقد غدا عميداً مكلفاً من قبل ديوان المدير العام بالإشراف على ورشة المبنى (ب)، مستعيداً دوره حرفياً. قيل حينها إن المتعهد «لا لوم عليه، إذ إنه نفّذ دراسة غير مناسبة»، فيما لا يحق لشربل أكثر من معاقبة الضابط مسلكياً، علماً بأن للفساد عقوبة جنائية كان على القضاء التنبّه لها.
مسؤول اطّلع في وقت سابق على ملف ترميم المبنى (د)، لفت لدى علمه بإعادة تكليف المتعهد والعميد إلى أن ملف المبنى (د) كان لا يزال أمام النيابة العامة المالية والقضاء العسكري، للنظر في المخالفات التي اتُّهما بارتكابها. فهل أعلنت براءتهما لكي يكرر تلزيمهما المبنى (ب)؟
الورشة الجارية في (ب)، بحسب مصادر مطلعة على ما يدور داخل السجن، تنفذ، مرة أخرى، دراسة غير مناسبة. وهي أكدت لـ»الأخبار» أن شراكة المتعهد والعميد «لن تنتج إلا مبنى (د) ثانياً».
يذكر أن اللجنة الوزارية فرضت على المتعهد ترميم ورشة الترميم، ما أجّل تسليم المبنى (د) عاماً إضافياً، فيما استدعى، بعد أيام قليلة، وزير الأشغال السابق غازي العريضي كلاً من المدير العام لقوى الامن الداخلي العميد بصبوص والمتعهد ولجنة شكلت من وزارة الداخلية تألفت من عدد من الضباط من بينهم العقيد المشرف على وضع الدراسة نفسه وآمر سرية السجون والعقيد غ. م. (طرد لاحقاً نهائياً بسبب اتهامه بتسهيل إدخال المخدرات إلى السجن)، وجرى تأكيد على «الحرص على حسن سير عمل المؤسسات وتأكيد مبدأ المحاسبة داخل المؤسسات».
مع ذلك، تؤكد المصادر أن المبنى بقي على حاله. بعض أهالي السجناء نقل إلى «الأخبار مشاهدات أبنائهم للمبنى (د) الذي نقلوا إليه. «النش دائم في طبقات المبنى الثلاث التي يضم كل منها بين 26 الى 30 غرفة يتوزع عليها ألف سجين، فيما يشكو هؤلاء من فصل مراحيض الاستحمام إلى خارج الغرف وتخصيص «دوش» لكل سجين مرة في الأسبوع «. العواصف الأخيرة ضاعفت النش وكسرت النوافذ التي ألصقت بلاصق رخو لم يحكم إغلاقها.
هل تُعدّ الدولة لإطلاق التبريرات المناسبة في حفل تدشين المبنى (ب)؟ من نسي فضيحة (د)، ينسى ما بعدها، خصوصاً إن كانت للعميد المهندس حظوة سياسية تغسل ذنوبه وللمتعهد ظهر قوي.