سباق فرنسي – روسي على لعب دور في الإستحقاق الرئاسي.. وخيار الرئيس التوافقي يعود للواجهة
الفضائح اليومية نذير شؤم يُعطي إنطباعاً بأن لبنان كنظام يتجّه إلى السقوط
زيارة هولاند إلى لبنان تأتي على قاعدة محاولة حماية الكرسي المسيحي الأوّل في الشرق الاوسط
تكشف حالة الإرباك التي تعيشها الساحة السياسية على أكثر من صعيد المدى الذي بلغته حالة الاهتراء التي تضرب مفاصل الدولة بمختلف مندرجاتها، حيث بات الحديث عن الفساد، والرشوة، والصفقات، والدعارة وما إلى هنالك من ملفات ساخنة ومتنازع عليها الشغل الشاغل للبنانيين الذين على ما يبدو قد نسوا الاستحقاقات المصيرية الموضوعة على الرف كانتخاب رئيس للجمهورية ووضع قانون جديد للانتخابات، ناهيك عن انتقال العلاقة بين لبنان والدول العربية من مرحلة الأخوة إلى مرحلة الفتور والنفور وهي مرحلة لم يألفها من قبل منذ نشأته، كل ذلك يحصل وكأن المسؤولين اللبنانيين يعيشون في عالم آخر، حيث يقارب كل فريق سياسي هذه الملفات «الفضيحة» من الزاوية التي تخدم مصالحه وتعزز نفوذه السياسي من دون إعطاء أي اعتبار لمصلحة البلد الذي بات يقف على عتبة الانزلاق باتجاه الهاوية.
وإذا كان ما نراه أو نسمعه يومياً على هذا الصعيد هو حالة طبيعية لبلد مشلع الأبواب ومن دون سقف الا ان ذلك لا يعفي المسؤولين من مسؤولية العمل على إعادة الأمور إلى نصابها من خلال الذهاب باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية الذي من خلاله ينتظم عمل المؤسسات والإقلاع عن قاعدة الهروب إلى الامام من خلال تعليق هذا الاستحقاق على حبل الأزمة الإقليمية ومحاولة إقناع الرأي العام بأن هذا الاستحقاق يستحيل إنجازه ما لم تتظهر الصورة على مستوى المشهد الإقليمي وتحديداً الأزمة السورية، كون ان حصول مثل هذا الأمر ما زال بعيد المنال وبالتالي فإن استمرار الفراغ على كافة المستويات إلى ذاك الحين ستكون اكلافه باهظة ونكون بذلك كمن يحفر في الحفرة وهو في داخلها.
وفي تقدير أوساط متابعة ان ما يعيشه لبنان في هذه الآونة هو نذير شؤم، إذ ان الفضائح التي يعلن عنها يومياً على كافة المستويات تعطي انطباعاً بأن لبنان يتجه نحو السقوط بكل ما للكلمة من معنى، وأن فرص الانقاذ بدأت تضيق إلى حدّ بات معه من غير المأمول الاحاطة بالمواضيع المثارة والعمل على معالجتها بسهولة، وأن الأمور قد تفلت من عقالها ما لم تتخذ الخطوات العملية والسريعة لاستئصال الأسباب التي اوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم.
وترى هذه الأوساط انه من الظلم لا بل من الغباء عدم مقاربة الملفات المطروحة بالشكل المطلوب وربط كل ذلك بالاستحقاق الرئاسي الذي قد يطول أمده، متسائلة ما الذي يمنع إيجاد الحلول للأزمات وترتيب البيت الداخلي بالشكل الذي يمنع البلد من السقوط، ولنفترض ان انتخاب الرئيس تعذر لاشهر إضافية هل نبقى مكتوفي الأيدي ونترك الفساد يستشري بكل قطاعات الدولة التي هي في الأصل تعاني الاهتراء والترهل.
وإذا كانت هذه الأوساط ترى ان انتخاب الرئيس بات يحتاج إلى معجزة في ظل الأفق المسدود داخلياً وخارجياً، غير انها تعلق بعض الأمل على الدور الروسي الذي برز في الآونة الأخيرة والذي توج بلقاء الرئيس الحريري وربما يستتبع بلقاءات مع بعض المسؤولين اللبنانيين، وإن كان هذا الدور ما زال غير واضح المعالم لناحية عدم كشف الروس عن رؤيتهم لشخص الرئيس العتيد، مع ان السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين ما برح يأتي في كل مواقفه واطلالاته الإعلامية على ذكر الرئيس التوافقي للبنان.
وترجح الأوساط ان يتوضح الموقف الروسي حيال الاستحقاق الرئاسي في المدى المنظور من باب التطورات اليومية التي تحصل على خط الأزمة السورية التي باتت أقرب إلى البوصلة التي يتحدد من خلالها مصير ومسار الاستحقاق الرئاسي في لبنان نظراً للتشابك الإقليمي والدولي في هذه الأزمة.
وتلفت الأوساط النظر إلى ان الدور الروسي في الاستحقاق الرئاسي اللبناني ليس بجديد فهي دائما كانت تدخل على خط هذا الاستحقاق بهدوء ومن دون أي ضجيج، من دون الكشف عن حجم هذا الدور الذي غالباً ما يتم بالتنسيق المباشر وغير المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية، مع الحرص على التنسيق والتشاور مع مختلف الأطراف اللبنانية.
وتذكر الاوساط السياسية بما كان قد نقل عن نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف العام الفائت بتأكيد حرص بلاده على انتخاب رئيس توافقي في لبنان، وهو ما تعمل عليه حالياً، إذ ان روسيا ترى ان قاعدة التوافق هي التي يجب ان تحكم في لبنان، وهي قصدت الآن تفعيل دورها بما خص الرئاسة من منطلق رغبتها بأن يتزامن الاتفاق على انتخاب رئيس في لبنان مع التسوية التي بدأت تحاك خيوطها والتي وضعت على نار حامية بالنسبة للأزمة السورية، وفي حال تقدّم الخيار التوافقي على شكل الرئيس كما ترغب روسيا فمعنى ذلك انه سينتخب رئيس من خارج الحلقة المعروفة ولن يكون هناك أية حظوظ للعماد ميشال عون ولا للنائب سليمان فرنجية في الصعود إلى قصر بعبدا، وأن من سيتربع على الكرسي الأوّل لن يكون اسمه من بين الأسماء التي تمّ تداولها منذ بداية الأزمة.
وبالرغم من بروز الدور الروسي إلى الواجهة في ما خص الاستحقاق الرئاسي فإن الأوساط لا تنفي الدور نفسه الذي تلعبه أكثر من دولة لا سيما فرنسا التي يعطي المسؤولون فيها في ظل الانشغالات بالأوضاع الداخلية نتيجة الإرهاب الذي ضرب بلدهم، وكذلك انشغالهم بأزمات المنطقة بعض الاهتمام للشأن اللبناني وهو ما حمل الرئيس الفرنسي على التفكير بزيارة لبنان في هذه الفترة حيث سيكون في حال تمت الزيارة الاستحقاق الرئاسي في مقدمة المواضيع التي سيطرحها فرانسوا هولاند مع المسؤولين اللبنانيين خلال لقائه بهم، وهو ربما يحمل أفكاراً وصيغاً محددة علّها تساهم في إنجاز هذا الاستحقاق الذي يعني فرنسا كثيراً من جوانب عدّة أقله كون ان الرئيس اللبناني هو الرئيس المسيحي الأوحد في منطقة الشرق الأوسط، وهو كان قد ارسل منذ بداية الفراغ الرئاسي العديد من الموفدين الفرنسيين للتباحث مع المسؤولين اللبنانيين في كيفية الخروج من هذه الأزمة غير ان كل هذه المباحثات لم تصل إلى النتيجة المتوخاة، فهل يكون التدخل الفرنسي أو الروسي في هذه الآونة اوفر حظاً مما سبق ونذهب باتجاه التفاهم على رئيس، فلننتظر لنرى…