أفعال منافية للحشمة، إغتصاب، دعارة، ترويج للمخدّرات… تطول لائحة الارتكابات الجرمية مِن «هبَّ ودبَّ»، التي تشهدها عملية التنقّل في سيارات غير شرعية ذات لوحات مزوّرة. في هذا الإطار يكشف مصدر أمني لـ«الجمهورية»، «أنّ الشركة المشغّلة لـ Parkmeter زوّدت وزارة الداخلية قائمةً تضمّ أكثرَ مِن ألف نمرة وصوَراً لسيارات بحقّها ضبط بدل وقوف، وبعدما أحالت الداخلية الأرقام على هيئة إدارة السير تبيّنَ أنّ هذه السيارات تحمل أرقاماً غيرَ عائدة لها، فإمّا النمَر وهمية أو مزوّرة، والتحقيقات لا تزال جارية». كيف تتحرّك هذه السيارات المشبوهة؟ مَن هم ضحاياها؟ إليكم هذه الجولة في الكواليس.
لعَنت رباب ألف مرّة لحظة أوقفَت سيارة أجرة لتعود إلى منزلها. نزلت من مكتبها في محيط بدارو، خطوات معدودة وانهمرَ أحدهم عليها بالزمور، من دون أن يترك لها لحظة لتنظرَ إلى محياه أو تتأكّد من لون لوحة سيارته.
لم تكد تتلفّظ بذِكر الوجهة المقصودة حتى أومأ لها السائق «طلَعي! ولِك طلعي!»، فصعدَت في المقعد الخلفي، وما إنْ عبَرا الإشارة، وإذ بالسائق يُخفّف سرعتَه، ممّا أثار فضولها، فالتفتَت إليه لتراه منهمكاً في فكّ حزامه محاوِلاً فتحَ سحّاب سرواله. لم تصدّق رباب عينيها حتى فتحت باب السيارة مستغلّة تمهُّل السائق، ورَمت بنفسها بحَذر لتعود أدراجَها لاهثةً.
100 دولار…«توصيلة المخدّرات»
لم يُفكّر تاجر المخدّرات المخضرم (و.ع.) طويلاً في طريقة تأمين أسواق لممنوعاته، إذ لجَأ إلى توظيف شباب لديه يروّجون له المخدّرات، عبر التنقّل بسيارة أجرة في محلّة الدورة – برج حمود.
رياض أحد الذين راقَت لهم الفكرة، إذ بعدما ضاقت أمامه فرَص العمل في مسقط رأسه الهرمل، أخبرَه أحدهم بأنّ شخصاً يدعى (و. ع.) يحتاج إلى شخص يعمل معه في مجال ترويج المخدّرات في بيروت. لم يتردَّد رياض في الاستفسار عن منزل (و.ع.) وزيارته، إلّا أنّ هذا الأخير لم يكشف عن «سرّ المهنة» لرياض، إنّما لقّنه إيّاه وفقَ مراحل محدّدة. فاتّفقا بدايةً على أن يوصل المخدرات من البقاع إلى بيروت لشخص يعمل لصالحه.
ونَحو 9 مرّات أوصَل رياض المخدّرات، فكان ينزل بواسطة فان أجرة مقابل 100 دولار من (و.ع). وبعد فترة من العمل أصبح رياض يتنقّل بنفسه عبر سيارة أجرة ويُسلّم المخدرات إلى المتعاطين، بتسعيرة 35 ألف ليرة ثمن نصف غرام من البودرة.
إلّا أنّ حسابات حقل رياض لم تطابق حسابات بيدر القوى الأمنية التي رصَدت سيارته، وعندما حاوَلت العناصر تطويقَه، حاول الفرار يميناً وشمالاً، ما أدّى إلى اصطدامه ببعض السيارات وإصابته برضوض. وقد عثرت بحوزته على 18 مغلّفاً ملفوفاً بورق «سانيتا» زِنة 50 غراماً قائماً من بودرة الكوكايين.
للتهرّب من «الضبوطة»
منذ صدور قانون السير الجديد، وشغلُ ربيع الشاغل كيف يتهرّب من عبء مخالفات السير، إذ حاولَ بدايةً التلاعب بألوان لوحته، والتخفيف من اللون الأسود عن الأرقام، باعتقاده أنّ كاميرا الرادار لن تتمكّن من التقاط اللوحة كاملةً، إلّا أنّ تحليلاته جاءت مخَيّبةً بعدما تَسلّم تباعاً المحاضرَ المسطّرة بحقّه. إلّا أنّه لم يستسلم، إذ ركّبَ لوحة «مفبرَكة» على سيارته، بعدما لجَأ إلى أحد أصحاب «الدكاكين» لصبّ اللوحات «بأقلّ من 20 دولاراً خالصة مخلّصة»، على حدّ تعبيره.
فلَتان… «ضارب طنابو»
«المسألة فلتانة، سيارات تُستعمل للتهريب، أخرى للتحشيش، يَعتدون على النساء، يَنقلون السلاح!»… بكلمتين يَختصر رئيس اتحاد النقل البرّي عبد الأمير نجدي واقعَ الفوضى المتفشّية في كواليس عمليات التنقّل عبر السيارات العمومية والخصوصية. فيُحذّر عبر «الجمهورية»: «ما عِدنا نعرف مَن يَنقل من، وإلى أين؟ ما عاد بوِسعنا التمييز، كلّ مَن امتلكَ سيّارة يُحاربنا بلقمة عيشنا، والمسألة زادت عن حدّها، مع ما نشهده من توافُد أجنبي».
ويضيف: «قد نلمس مكافحةً محدودة لأطراف بيروت، ولكنّ أقضيةً برُمّتها مهمولة، سواءٌ في الشمال أو الجنوب، لذا نلاحظ سيارات خصوصية تعمل على الخط بلوحات وهمية، مزوّرة». أمّا عدد السيارات العاملة على الخط، فيقول: «33500 تاكسي، 100 شاحنة، 16 ألف فان يعملون، فيما تكاد تكون فقط 4 آلاف لوحة صحيحة (فان)».
ويأسَف نجدي للحال المذرية التي بلغَها القطاع، قائلاً: «الوضع كلّه فوضى بفوضى، لا أرقام «مِتل الخلق»، ولا حتى الدفاتر، وأحياناً يَبلغ التزوير أقصى حدّه، عندما تعلو صرخة أحد السائقين في الشمال نتيجة تبَلّغ محضر مخالفة في الجنوب أو في أيّ منطقة لم يَطأها، فيتبيّن لنا أنّ أحدَهم من باب المسافة قصَد صاحب اللوحات، ودفعَ له 25 ألف أو 30 ألف، ليصبّ له لوحات على أساس دفتر مزوّر بين يديه».
ويتوقّف نجدي عند التدابير الوقائية التي حاوَلوا اعتمادَها، كإشارة توحّدنا وتزرع في نفس المواطن الثقة بأنّ السائق محترَم، فيقول: «إعتمدنا لفترة اللاصق الذي يوضَع على باب السيارة، فوَفَّرنا بذلك حماية، ولكنّ هذا غير كافٍ، فسيارات غير شرعية تغزو طرقاتنا، لذا نَقترح تفعيل اليوم الأمني في المناطق وتثبيتَه مرّةً أسبوعياً أو مرّتين».
أساليب التزوير … وأسبابه
إقامة الحواجز فجأةً، تعميم مواصفات سيارة مشبوهة، الكشفُ على السيارة والتدقيق في دفتر مالكها، الاتصال بهيئة إدارة السير للتأكّد مِن الداتا المرافقة للوحة المشكوك في أمرها… تتعدّد الوسائل التي تلجَأ إليها القوى الأمنية في لجم حركة التزوير المتفشّية.
في هذا الإطار، يُحذّر مصدر أمني من «أنّ مجال تزوير اللوحات واسع وتَكمن خطورتُه في تنفيذ أعمال أمنية، تحديداً على مستوى التفجيرات»، لافتاً إلى «أنّ مكافحة المخالفين تَستحوذ على مجهود كبير من القوى الأمنية».
وفي ضوء التوقيفات الأمنية، يوضح المصدر لـ»الجمهورية» أنّ أبرز الأسباب التي تدفَع بالمخالفين إلى تزوير اللوحات، هي: «التهرّب من كلّ ما له علاقة بالمستحقّات، من تسجيل، ميكانيك، مخالفات، أو للتعذّر على مالك السيارة استحصال سِجلّ عدلي لا حكم عليه، أو أنّه من أصحاب السوابق وبحقّه عدد لا بأس به من مذكّرات التوقيف، والنشرة بحقّه مشبوهة».
ويَستبعد المصدر تحميلَ المسؤولية إلى أصحاب محالّ صَبّ اللوحات، فيقول: «لا دخلَ لأصحاب المحالّ، قد يَحمل المحتالون دفترَ سيارة مزوّراً ويظهر المفتاح في يده وكأنّ الأمور جدّ طبيعية، ويطلب صبَّ اللوحات له، لذا معظم العملية يتحمّل مسؤوليتها مالكو السيارات أو سائقوها».
أمّا عن العقوبة، فيلفت إلى «فتح محضر باسم المخالف، ولا يُترك إلّا بسند إقامة، وفقَ إشارة القاضي، وهناك حبس من شهر لسنتين أو غرامة ماليّة من مليون إلى 3 ملايين».
هيئة إدارة السير… المصفاة
تتعدّد الأسباب الكامنة وراء اعتماد تزوير لوحات السيارات لتحقيق غايات مشبوهة، وأبرزُها: سهولة التزوير بأسعار زهيدة، مقابل صعوبة كشف المخالفين.
في هذا الإطار توضح المديرة العامة لهيئة إدارة السير المهندسة هدى سلوم «أنّ اللوحات تنقسم إلى أنواع: عمومية، خصوصية، شحن خصوصي، شحن عمومي، سياحة عمومي، سياحة خصوصي»، مشيرةً إلى أنّ «بعض أصحاب السيارات يبيعونها من دون التأكّد من صحّة عملية نقل الملكية، فيأتي شخص آخر يَستعمل الرقم ذاته».
أمّا بالنسبة إلى نماذج عن المخالفات، فتقول في حديث لـ«الجمهورية»، «إنّها لا تُعَد ولا تحصى، مثلاً نتيجة سوء نقل الملكية، وبالوكالة، على المالك الأساسي إبلاغ مصلحة تسجيل السيارات بتنفيذ البَيع، وإلّا سيتكبّد أيَّ ضبط ويتحمّل عقاب أيّ جرم». وتضيف: «أحياناً تسير سيارة مخالفة بلوحات مزوّرة، ونتيجة تبليغ شركة الـParkmeter نكتشف أنّ اللوحة لسيارة أخرى فنُبلّغ القوى الأمنية لتعقّبِها».
وتؤكّد أنّ مخيّلة المخالفين والشاذّين عن القانون واسعة، وتحديداً لدى أصحاب الفانات، فتروي: «منهم من يتعمَّد شراء فانات متشابهة بالمواصفات، إذ يتعامل مع أوّل فان بطريقة شرعية، يُصدر له دفتراً ولوحات رسمية، ثمّ يتوجّه إلى قوى الأمن الداخلي بحجّة تنظيم بدل عن ضائع للفان الثاني والثالث، مراهناً على عدم عودة المعنيين للتدقيق في رقم «الشاسي»، فيصبّ اللوحات عينها على ما يملك من فانات أخرى على الخط، فيما واحد من هذه الفانات هو وحدَه الشرعي».
لوحات إلكترونية… الحلّ؟
في هذا الإطار، تكشف سلّوم عن «تحديث إلكتروني في مصلحة تسجيل السيارات، حيث نُعدّ دفاتر سَوق حديثة مُمغنطة لمنع التزوير، وفي المشروع عينه نُجهّز لوحات إلكترونية من الصعب تزويرُها، نظراً إلى أنّها ستحمل «باركود» محدّداً له علاقة بالسيارة نفسها والسائق وحده، فلا يمكن تزويرها»، مؤكّدةً «أنّه مِن الصعب فكّ تلك اللوحة وتبديلها إلّا في مصلحة تسجيل السيارات».
أمّا عن الفترة التي سنَلمس فيها التبديل، فتقول: «مِن المفترض في حزيران العام الجاري، أن نكون قد بدأنا العمل انطلاقاً من الدفاتر، ليُصار بعدها إلى تنظيم اللوحات، ونَبذل ما في وسعنا للتخفيف من وطأة السماسرة، وتعزيز مصلحة المواطن»، مؤكّدةً «أنّ المواطنين لن يُجبَروا بين ليلة وضحاها على استبدال اللوحات».
ختاماً، في وطن اعتاد أبناؤه دفع الفاتورة مرّتين، إلى متى يبقى «الزعران» فاتورةً إضافية على «الأوادم»؟