«اعتقدت أن الكاتب وزير خارجية دولة إسكندنافية»٬ هكذا كان تعليق وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد٬ على مقال نظيره الإيراني محمد جواد ظريف٬ المنشور أول من أمس في صحيفة «نيويورك تايمز». وربما هذا التعليق الساخر يلخص فعلاً الحالة الإيرانية التي تعاظمت للدرجة التي تريد معاكسة المنطق في كل مناسبة٬ وخداع العالم بأن الأبيض أسود والأسود أبيض. ظريف حاول أن يبدو بمظهر الوزير الليبرالي القادم من الدنمارك٬ متحدًثا عن حقوق الإنسان و«بربرية قطع الرؤوس بالسيوف»٬ لكنه لم ينبس ببنت شفة عن تعليق مواطنيه على المشانق بالرافعات الإيرانية. نّظر عن «نبذ العنف والحقوق المدنية»٬ إلا أنه أغفل قمع حكومته رموز الثورة الخضراء٬ والأقليات الأحوازية والبلوشية والأذرية. اتهم السعوديين بالترويج لـ«رسالة كراهية وطائفية معادية للإسلام»٬ ناسًيا بالطبع ما تفعله ميليشيات حزب الله والحشد الشعبي وأبو فضل العباس٬ وعشرات غيرها من قمع وتنكيل قائم على الطائفية. اتهم الرياض بـ«رعايتها النشطة للإرهاب»٬ لكن الوقائع تقول إن إيران٬ وليس السعودية٬ من يواجه الكثير من القضايا في محاكم العالم لصلتها بالإرهاب٬ من الأرجنتين إلى بلغاريا ومن تايلاند إلى الهند٬ ناهيك بأن إيران٬ مرة أخرى وليس السعودية٬ من لديها ميليشيات صنفها العالم بأنها منظمات إرهابية٬ مثل الحرس الثوري وحزب الله. أخيرا بقي أن نشير إلى أن العالم كله يعرف من هي الدولة التي حاولت اغتيال السفير السعودي السابق في واشنطن٬ وبالتأكيد صحيفة «نيويورك تايمز» وقراؤها أول العارفين.
ربما كان هذا جزءا من التناقضات التي ساقها الوزير ظريف٬ لكننا حتى الآن لم نتحدث عن أكاذيب ساقها في مقاله٬ ولم أجد غير هذه الكلمة تصف تزوير الوزير الإيراني٬ الذي أراد أن يخدع الغرب باتهامه إمام الحرم المكي بأنه قال: «لن يزول خلافنا مع الرافضة٬ ولا انتحارنا في سبيل قتالهم٬ ما داموا على وجه الأرض»٬ وهذه كذبة كبرى لا تليق بمسؤول صغير٬ فما بالك بوزير خارجية٬ وجميع خطب الحرم المكي موثقة في «يوتيوب»٬ وبإمكان أي كان العودة لها٬ وسيكتشف كذب السيد ظريف. أما الكذبة الأخرى فهي زعمه أن السعودية استهدفت (وبشكل مباشر) المنشآت الدبلوماسية الإيرانية في اليمن ولبنان وباكستان٬ وهذه معلومة جديدة ساقها ظريف٬ وكأن أحًدا لن يسأل متى وكيف تم هذا الاستهداف٬ الذي قد يكون في عالم الخيال الإيراني فقط.
أما والوزير الإيراني يحاول جاهدا إظهار بلاده٬ للغربيين على أنها مثال الدولة الحاضنة للسلام والمحبة للاستقرار٬ فأذكره بالأفعال الإيرانية٬ وليس الاتهامات التي يكيلها هو للسعودية٬ فبلاده٬ منذ توقيعها للاتفاق النووي في يوليو (تموز) العام الماضي وكما أشار السيناتور الأميركي بوب كروكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي حكمت على مراسل صحيفة «واشنطن بوست» جيسون رزيان٬ المعتقل منذ أكثر من عام بالسجن٬ وقامت بسجن شخص «إيراني أميركي» آخر. وقد تحّدت عقوبات الأمم المتحدة من خلال تصديرها الأسلحة إلى اليمن وسوريا٬ وإرسالها الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» العسكري في إيران ومسؤولين آخرين فُرضت عليهم عقوبات٬ إلى سوريا والعراق وأماكن أخرى٬ وكذلك من خلال إجراء عملَّيتي إطلاق صواريخ باليستية.
كما رفضت إيران التعاون بشكل كامل مع تحقيقات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بشأن بحوث الأسلحة النووية التي تجريها٬ بالإضافة إلى ضبط البحرين خليتين إرهابيتين مرتبطتين بإيران والحرس الثوري٬ وكذلك فعلت الكويت بضبطها خلية مشابهة٬ لها علاقات بميليشيات إيران٬ كل هذا حدث في ستة أشهر. فهل لا يزال السيد ظريف يريد أن يقنع الغرب بأن بلاده «ليس لديها رغبة في تصعيد التوتر في المنطقة»؟!
اللعبة الإيرانية٬ وبعيدا عن محاولات ظريف تلميع صورة نظام بلاده٬ انكشفت ولم تعْد تنطلي على أحد٬ باستثناء أولئك القابعين في البيت الأبيض٬ ويغمضون أعينهم حتى لا يروا «دعم إيران للإرهاب»٬ وهذا بالمناسبة موقفهم الرسمي٬ لذلك ليس أمام السعودية وباقي الدول المتضررة من عربدة إيران٬ سوى القيام بما ينبغي عليها لإيقاف المشروع الإيراني٬ أما العالم فليس أمامه إلا الانتظار حتى تأتي إدارة أميركية جديدة العام المقبل٬ وتكون غير مكبلة باتفاق نووي٬ ولا تستميت على الحفاظ عليه٬ حتى لو كان ذلك على حساب السلم والاستقرار وإشعال التطرف.