شحنات كثيرة دخلت من سوريا إلى لبنان بعد قانون قيصر
أثار قرار المملكة العربية السعودية، القلق لدى العاملين في القطاع الزراعي على مصير منتجاتهم الزراعية المحدد بدء قطافها في الأول من ايار المقبل، بعدما بدأ تنفيذ العمل بمنع دخولها اراضي المملكة، على خلفية ضبط شحنة “رمان الأمفيتامين والكبتاغون”، فتوقفت 40 شاحنة عن دخول السعودية انطلقت قبل إتخاذ القرار بوقف الاستيراد، وهي حالياً عالقة مع حمولتها المقدرة بـ1000 طن من المنتوجات الزراعية الموسمية ما يؤدي بالمقابل الى خسارة كبيرة، وكساد في الانتاج الزراعي اللبناني ما لم تسارع السلطات اللبنانية للتدخل والمعالجة.
هذا الاجراء حمل الكثير من التساؤلات عن توقيت السعودية في اثارته، وتحميل السلطات اللبنانية المشكلة، وعن مصدر الشحنة وكيفية وصولها الى لبنان وما اذا دخلت الاراضي اللبنانية عبر الحدود الرسمية أو عبر التهريب، واعادة تصديرها بأذونات من وزارة الزراعة لمنتج مستورد.
هذا القرار بقدر ما له من تبعات إقتصادية على القطاع الزراعي، بقدر ما أتى ليكشف عن تقاعس الوزارات المعنية و”استهتار” الموظفين إن لم يكن الفساد في تمرير إفادات منشأ مزورة بهذه السهولة، كما أظهر تراخي القوى الأمنية والعسكرية في إجراءاتها عند الحدود اللبنانية السورية الرسمية البرية وفي المرفأ.
وفي هذا الإطار كشف مصدر جمركي لـ”نداء الوطن” أن “شحنتي رمان قدمتا إلى لبنان من سوريا على مرحلتين في منتصف شهر شباط الفائت، وخضعتا للجمرك بموجب بيان b1، (أي بيان للإستهلاك المحلي وليس ترانزيت)، انما لم يجزم ما اذا كانت هاتان الشحنتان هما اللتان ضبطتا في السعودية، هذا ما يدل عن أن “الشحنة لم تصدّر على أساس ترانزيت”، بل تمت إعادة تصديرها بموجب شهادة منشأ لبنانية مزورة، وقال “بعد قانون قيصر بدأت منتجات سورية تدخل الى لبنان منها عبر المعابر الرسمية بحال لم تكن في وقت المنتجات اللبنانية، وعبر معابر التهريب بحال كانت منافسة، بعدها يتم إعادة تصديرها الى الدول العربية بموجب شهادات منشأ لشركات لبنانية ومنها مزورة لشركات وهمية. وفي كلتا الحالتين مخالفة قانونية لكونها تدخل للاستهلاك المحلي لأنها لم تخضع للضريبة الجمركية بل هناك من يستفيد من دعم تصدير المنتجات الزراعية.
وتابع المصدر “لأن السكانرعند نقطة المصنع بدأت أعطاله تزداد بعد أحداث 7 ايار 2008، تم توقيفه عن العمل وبدأ الكشف يدوياً عن طريق مشاهدة عينات يختارها الكشاف من مناطق مختلفة من الشاحنة”. الجدير ذكره “السكانر وضع اثر عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري، بقرار من لجنة التحقيق الدولية، فتم تركيبه من قبل فريق ألماني بهدف المراقبة الدقيقة والاعتماد عليه في ضبط كل الآليات والشاحنات والسيارات الآتية عبر الحدود لمنع أي محاولة لتهريب الأسلحة والمخدرات وما شابه”.
عمل السكانر يحتاج الى قرار سياسي، كي لا يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد في إخضاع السيارات والشاحنات المغادرة والقادمة الى لبنان، وضرورة تركيب سكانر عند مدخل باحة الشاحنات المغادرة.
وكشف أحد العاملين في محيط الجمارك، أن “أعطال السكانر كانت مقصودة، لأن ضباطاً جمركيين وأمنيين كانوا يطلبون من بعض السائقين صدم إحدى جوانب السكانر حتى يؤدي ذلك الى تحطيم الآلة وتعطيلها وبالتالي حتى تم توقيفها بالكامل”.
فضحت “شحنة رمان الأمفيتامين” استنسابية عناصر الجمارك والقوى الأمنية في التفتيش بين شاحنة ذات منشأ لبناني وأخرى ذات منشأ سوري، بحسب ما كشفه مصدر أمني لـ”نداء الوطن” بأن التحقيقات الأولية أظهرت أن الشحنة المضبوطة لم تكن الأولى بإفادات منشأ مزورة، إنما سبقتها شحنات رمان وغيره ولم تكن محشوة، وذلك لضمان نجاح عملية تزوير بلد المنشأ”. وبعد نجاح وصولها، تم تجهيز شحنة “ملغومة” في سوريا بطريقة إحترافية، حيث تم أولاً تفريغ “كوز الرمان”، من ثم وضع داخله الكيس ليحشى الأمفيتامين حبة حبة.
تضاربت المعلومات حول طريقة دخول الشحنة الى لبنان، مصادر قالت انها وصلت الى لبنان عبر شركة مسجلة بإسم اللبناني ع.أ.ص وهي آتية من سوريا عبر شركة القضماني ووقع عليها رئيس دائرة الاستيراد والتصدير في وزارة الزراعة شارل زرزور بعد ورودها من غرفة التجارة والصناعة، وأشارت مصادر أمنية أن جميع الأوراق والتواقيع في اذونات الاستيراد والتصدير مزورة تم استعمال أسماء الموظفين.
وبعد اعلان السعودية عن ضبط الشحنة، توصلت تحقيقات مكتب مكافحة جرائم المخدرات المركزي الى خيوط الاشتباه بشخصين سوريين أنهما كانا ضمن مجموعة لها علاقة بشحنة الكبتاغون. وبعدما وصلت الشحنة الى لبنان عبر نقطة المصنع الحدودية أدخلت الى مستودع في تعنايل مستأجر من قبل علي سليمان، سوري الجنسية، تم تفريغ الشاحنات السورية فيه ومن ثم عادت الى موطنها، وبعد نحو عشرة أيام واتمام كامل أوراق التصدير تم نقلها الى شاحنات لبنانية نقلتها الى مرفأ بيروت. وبناء لإشارة مدعي عام التمييز غسان عويدات تمت مداهمة المستودع ورفع الادلة وختمه بالشمع الأحمر.
السكانر الذي تم تركيبه عام 2007 وبدأ تعطيله بعد 7 أيار
وأشارت مصادر أمنية أخرى أن التحقيقات في ملف “رمان الأمفيتامين والكبتاغون”، توصلت الى عصابة كبيرة معنية بتهريب شحنات من الحبوب المخدرة الى الخارج من جنسيات لبنانية وسورية، يشكل حسن دقو الرأس المدبر لعدد من الشبكات. ورجحت أن تكون الشحنة تم تهريبها من سوريا الى لبنان عبر معابر من البقاع الشمالي الى البقاع الاوسط، طالما لم يتم التأكد من أن الرمان الذي دخل عبر الجمارك هو نفسه الذي ضبط في السعودية.
بدوره رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي أكد لـ”نداء الوطن”، أن القرار كارثي على المزارع وخطيرعلى الاقتصاد، “لأن الأول من أيار يشكل وفرة في إنتاج لبنان للزراعة، ومع هذا القرار سيغرق السوق بالمنتجات الزراعية، التي بدأت ذيولها بتدني الأسعار بشكل كبير، وقال “المؤكد حتى اللحظة أن البضاعة والمصدر غير لبناني والاوراق مزورة، هذا يدل عن مدى حالة التراجع التي وصلنا اليها”، ليردف متنهداً “يا حيف على لبنان شو صار فيه، أصبحنا اليوم خلف الناس كلها”، ليتابع “أن الكلفة كبيرة ليست مادية بقدر ما هي معنوية وثقة الآخرين فينا، لأننا جهدنا كثيراً لنعزز سمعة وجودة المنتج اللبناني ليكون مختلفاً عن كل المنتجات المنافسة في المنطقة، باعتبار أن القضاء على القطاع الزراعي يعني القضاء على جزء كبير من اللبنانيين والاقتصاد اللبناني، والمتضرر الأول هو المزارع، وهذا ينعكس خسائر علينا عشر سنوات للمستقبل، نطالب المسؤولين أن يراجعوا السلطات السعودية بأسرع وقت، كثيراً ما كانت وما زالت مملكة الخير للبنانيين في جميع المراحل والمحن”. وختم “لا بديل عن الأسواق السعودية لا اليوم ولا غداً”.
بدوره نائب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين طوني طعمة، قال “نتفهم حرص سلطات المملكة السعودية على شعبها، إنما هذا القرار خطره على الوضع الزراعي برمته، لأننا سنبدأ ذروة الانتاج تباعاً بدءاً من الأول من ايار”، لأن السعودية تستورد 50% من الانتاج الزراعي الوطني”، وتابع “بدأ انعكاسها على الأسعار انطلاقاً من تدني سعر البطاطا في عكار”، وبالتالي انعكاسها على المزارع لكون جميع مسلتزمات الزراعة من اسمدة وادوية وقطع غيار ومواد اولية جميعها تستورد من الخارج بالعملة الصعبة”.
وتابع طعمة نطالب بفتح تحقيق فوري وشفاف، كيف وصل الرمان وتمت اعادة تصديره، وما اذا دخل الاراضي اللبنانية بشكل شرعي أو بالتهريب، وقال متسائلاً “سبق وتم الكشف عن عدة شحنات فيها حبوب مخدرة من لبنان قد أعلن عنها السفير السعودي، ما يطرح سؤالاً لماذا السلطات السعودية انتظرت حتى اليوم؟
وختم طعمة متأسفاً أن الحدود سائبة والدولة غائبة عن هذه الأمور وكأننا نعيش في مجاهل افريقيا في القرن الواحد والعشرين، داعياً السلطات اللبنانية اعتماد الكلاب البوليسية المدربة للكشف، وتفعيل أجهزة السكانر المعطلة “والتي لا ندري كيف تعطلت، نريد أجوبة شافية لأن الاقتصاد الوطني بخطر والمزارع دائماً الضحية”.