IMLebanon

“السكانر” في إدارة المناقصات… كي لا تكون “ميكانيك” حدوديّاً!

 

 

يمكن اختصار اجتماع بعبدا الأمني الذي عقد على أثر القرار السعودي، بـ”الطلب إلى وزير المال متابعة تنفيذ المرسوم 6748 تاريخ 30/7/2020 المتعلق بالنظام الإلزامي لمعاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات في المرافق الحدودية اللبنانية، لا سيما إطلاق مناقصة لإنشاء هذا النظام تحت الأوضاع الجمركية كافة بعد ان تم اعداد دفاتر الشروط اللازمة”.

 

المرسوم المذكور هو المعبر الإلزامي لتأمين “السكانر” للمعابر الحدودية، وهي قضية شهدت الكثير من الصراعات والاشتباكات السياسية وتحديداً بين المجلس الأعلى للجمارك ومن خلفه وزارة المال وبين المديرية العامة للجمارك، حول الجهة التي ستقوم بالمراقبة، وحيثيات المهمة، وكيفية تأمين المعدات، وقد عبّرت الشروط المحيطة بالمرسوم عن هذه الاشكاليات نظراً لأهمية القضية التي كان يُخشى أن تكون باباً اضافياً للهدر والتنفيعات.

 

بالتفصيل، يتبيّن أنّ المرسوم 6748 تاريخ 30/07/2020 ينصّ على “نظام إلزامي لمعاينة الحاويات والبضائع والمركبات ومراقبتها لدى دخولها الى الأراضي اللبنانية وخروجها منها، وخلال عبورها لهذه الأراضي وتحت الأوضاع الجمركية كافة، كشرط أساسي وإلزامي لإنفاذ المهام المنوطة بإدارة الجمارك”، كما جاء في مادته الأولى، فيما نصّت المادة الثالثة على أنّه “يعهد الى مؤسسة خاصة، بنتيجة مناقصة عمومية، بإنشاء نظام معاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات لدى دخولها الى الأراضي اللبنانية وخروجها منها وخلال عبورها الأراضي اللبنانية، تحت الأوضاع الجمركية كافة”.

 

فيما جاء في المادة الرابعة أنّه “يرتكز نظام معاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات على تجهيزات تكنولوجية حديثة، مثل أجهزة التصوير بالأشعة السينية وأنظمة وبرامج متصلة تسمح بالمعاينة غير التدخلية، وبالمراقبة الفعالة للحاويات والبضائع والمركبات وبالمساعدة على إدارة المخاطر وعلى تقدير القيمة الفعلية للبضائع، كما تسمح بتتبع الحاويات خلال عمليات الترانزيت”.

 

جوهر الخلاف كان حول مبدأ تكليف شركة القيام بمهام المراقبة نظراً للأعباء الضخمة التي قد تتكبدها، وقد قدرت في حينه بحوالى 60 مليون دولار سنوياً، أي 600 مليون دولار في عشر سنوات وهي مدة التلزيم، مع أن أجهزة المراقبة المطلوبة لا تكلف أكثر من 30 مليون دولار، وفق بعض المتابعين.

 

وقد تجلّى الخلاف بعد استقرار الرأي على تكليف شركة بمهام المراقبة، في المادتين الثالثة والخامسة من المرسوم. هكذا، “تبيع الدولة مهام الجمارك”، كما كان يقول المتحفّظون، وتحديداً بدري ضاهر، وتكون عملية البيع من خلال إيكال المهام المنصوص عنها في قانون الجمارك (4461) إلى شركة ستفعل ما تفعله أصلاً المديرية العامة للجمارك، وتعطيها – علاوة على ذلك Bonus عبر السماح لها باستيفاء “جعالة مباشرة من أصحاب العلاقة لدى القيام بخدمة معينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات لصالح إدارة الجمارك”، وذلك “طيلة مدة الإلتزام” التي يحددها المشروع بما “لا يزيد على عشر سنوات”، على أن تعود التجهيزات والإدارة إلى الدولة.

 

يفترض أن تقوم الشركة المكلفة بتجهيز المرافق الحدودية التي يجري تحديدها بـ”سكانر” للكشف الشعاعي على بضائع الحاويات والمركبات، على أن تمنح صاحب العلاقة بعد ذلك إفادة. وقد بررت “الأسباب الموجبة” للمرسوم هذا اللجوء للشركة الخاصة بعدم قدرة الدولة على تجهيز المعابر، إضافة إلى مكافحة التهرب الضريبي ومواكبة المعايير العالمية التي تنص عليها منظمة الجمارك العالمية.

 

وفق المتابعين، فإنّ “الاشتباكات” التي خيضت من جانب ضاهر، أدت إلى اقتصار دور الشركة المعتمدة على “الانشاء والصيانة”، وفقاً لما يحدده دفتر الشروط الخاصة بالمشروع، من خلال “إنشاء وتشغيل نظام معاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات لدى دخولها إلى الأراضي اللبنانية، وتمويل وتوريد وتركيب وإدارة التجهيزات والأنظمة والبرامج كافة… فيما كان دورها قبل اقرار المرسوم بصيغته النهائية، يقوم على أجراء المعاينة والمراقبة.

 

حتى أن ضاهر كان معترضاً على المشروع بأكمله، وكان من دعاة السماح لإدارة الجمارك بشراء أجهزة مسح ضوئية، وفقاً لكتاب رفعه في الأول من آب العام 2018 إلى وزير المال. كما اقترح بعد رفض طلبه بحجة عدم توفر الاعتمادات، اقتطاع جزء من رسم الخدمات (مخصصات اضافية لموظفي الجمارك)، لتغطية كلفة الأجهزة. كذلك رفض الاقتراح، وأصرّ المجلس الأعلى ووزارة المال على تكليف شركة وفقاً لنظام الـBOT، إلى أن ولد المرسوم بصيغته النهائية في عهد حكومة حسان دياب.

 

أمّا في المستجدات، فإنّ المجلس الأعلى للجمارك سبق له أن تواصل منذ أكثر من شهرين مع إدارة المناقصات للتنسيق معها بشأن الخبرات الفنية، ذلك أنّ الإدارة تتعاون مع الإتحاد الأوروبي لتأمين خبراء يساعدونها في الاستشارات الفنية. ولهذا طلب المجلس الأعلى للجمارك المساعدة في المؤازرة الفنية لوضع دفتر الشروط، وعلى هذا الأساس يفترض أن يكون الخبير الأوروبي في بيروت خلال عشرة أيام للمساعدة في وضع دفتر الشروط قبل رفعه إلى إدارة المناقصات وإطلاق المناقصة، انفاذاً لمقررات اجتماع بعبدا.

 

عملياً، لا ينصّ المرسوم على أن تتولى إدارة المناقصات اطلاق المناقصة، لكن رئيس الجمهورية ميشال عون، وفق المتابعين أصرّ خلال الاجتماع على هذا الأمر، ولو أنّ الفريق العوني هو من أكثر الأطراف السياسية “اشتباكاً” مع رئيس إدارة المناقصات جان العلية، مع العلم أنّ المادة التاسعة من المرسوم تنصّ على أنّه “يجاز لوزارة المالية إجراء مناقصة عمومية لاختيار المؤسسة الخاصة وذلك على أساس دفتر شروط خاص يوضع لهذه الغاية ويوافق عليه مجلس الوزراء… على أنّ تخضع الموافقة النهائية لتصديق مجلس الوزراء”.

 

بالنتيجة، يفترض أن تتولى إدارة المناقصات، إطلاق المناقصة والتدقيق في كامل تفاصيلها كي لا يكون التلزيم تجربة منقّحة عن “المعاينة الميكانيكية” للسيارات.