وجد الرئيس تمام سلام نفسه في البيال، لا في حكومة منهكة بالخلافات.
في مجمع البيال رأى لبنان، في معظمه حوله، يشاركونه في وداع والدته الراحلة تميمة.
رحلت الكبيرة وهي تقارب مئوية الراحل الكبير صائب سلام.
غابت عن لبنان، ورفيق عمرها ودّع البلد الذي أحبّ بشعاره الخالد: لبنان واحد لا لبنانان.
في منتصف الخمسينات كان لبنان على مشارف الموت السياسي، بين اطلالة جمال عبدالناصر ورهانات نوري السعيد.
والاطلالة لم تنضج آثارها بعد، ورهانات باشا العراق معلّقة، لا مطلّقة ولا متهاوية على ضفاف الرافدين.
كان الرئيس شمعون أمام خيارين، كل منهما أصعب من الآخر. اما حكومة برئاسة عبدالله اليافي، او أخرى يرئسها صائب سلام. وجمال عبدالناصر في الآفاق.
يقال ان الرئيس شمعون استدعى زعيمي بيروت الى قصر القنطاري، وطرح عليهما السؤال الصعب، من يؤلف الحكومة المقبلة.
ووقف الرئيس صائب سلام بشموخ أنا أكون وزيراً في حكومة يؤلفها عبدالله اليافي.
وبعد لحظات صدرت مراسيم التأليف، وفيها الرئيس سلام وزير دولة للشؤون العربية، لأن البلد لا يوافي الحرية في غياب اليافي.
الآن، وبعد قرابة نصف قرن، يواجه لبنان فزاعة التوطين، وغياب عقيلة الراحل الكبير صائب سلام، والرئيس تمام سلام، بين فزاعة التوطين وخطر التوطين المقنّع.
ويقال في بعض الجهات ان الأمين العام للأمم المتحدة حضر الى المنطقة، والى لبنان خصوصاً، لاغراء لبنان بالتوطين المقنّع، ومعه الفزاعة بيد رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الاسلامي.
طبعاً، يقول هؤلاء ان الفكرة للتلميح لا للتصريح، لأن هناك أفرقاء يدغدغ التوطين مشاعرهم، وافرقاء يقلق التوطين مستقبلهم السياسي.
طبعاً، لا يمكن البناء السياسي، لا على الاشاعات ولا على التكهنات.
لكن الموضوع يشكّل فزاعتين لا فزاعة واحدة.
والأكثر خطورة من الامرين، وجود بلد، على هاوية الانفجار، في ظلّ طائفة تستسيغ التوطين، وأخرى تحذّر منه لأنه نهاية قاتمة لمصير البلد، خصوصاً مع وجود أناس في السلطة يروّجون، عن غباء أو عن غايات لنهاية تعيسة لوحدة كيان البلد.
ولو أراد المراقبون الحقيقة، فانهم يدركون، ان عملية تكاذب سياسي يتم تسويقها في وطن لا يقبل التسويات ولا يتقبّل الرهانات الفارغة.
يا جماعة، من هنا وهناك حافظوا على وحدة وطن مهددة بالزوال، من جراء غياب التعقل، ورواج الأفكار الغامضة حيناً، والتافهة أحياناً!!
كان الرئيس شارل دباس، يحذّر الفرنسيين واللبنانيين، من مغامرات الانتداب الواهية، ويدعو الى الأخذ بالأفكار القائمة على العقل، حتى انه رفع أحياناً شعار التعقّل لا التهوّر لينقذ وطن الأرز من المغالطات.
ربما، أدرك الرؤساء بشارة الخوري واميل اده ورياض الصلح، ان التعقل أتى بالاستقلال، ولا يجوز لأحد التفريط به.
والآن، تبدو فزاعة التوطين هي الخطر الأكبر، في زمان الخطر على التركيبة اللبنانية.