Site icon IMLebanon

«فزاعة» التوطين «تتناسل» إلى السوريين بعد الفلسطينيين

عن أزمة الأفق المسدود وجهل السياسيين

«فزاعة» التوطين «تتناسل» إلى السوريين بعد الفلسطينيين

منذ نحو سبعة عقود والى اليوم، ترافق «فزاعة» التوطين معظم الكلام اللبناني عن اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان. اصبح اليوم للفلسطينيين شركاء في التخويف. أضيف اللاجئون السوريون الى قائمة المهددين للديموغرافيا اللبنانية، خصوصا أن هؤلاء لا يقلّون «خصوبة» وإنجابا عن اولئك.

سبعة عقود ولم يتم توطين الفلسطينيين، ولن يتم. ولكن الفزاعة أدّت دورها على أتمّ وجه. ليس المجال هنا لفتح ملف الأخطاء والخطايا الفلسطينية، وهي لا شك كثيرة، لكن تكرار الاخطاء اللبنانية نفسها في ملف اللاجئين السوريين يوجب فتح باب المراجعة لتعاطي اللبنانيين مع ملف النزوح واللجوء.

فمع الاقتتال الدائر في مخيم «عين الحلوة» يعود الاهتمام بواقع المخيمات الفلسطينية. يتذكّر اللبنانيون ان بينهم مئات الآف الفلسطينيين الذين يعيشون في «مربعات أمنية». لهؤلاء فصائلهم ومقاتليهم و»قضاياهم» وجهادهم. هي الصورة الوحيدة التي تلتقطها «الحساسية الوطنية» للبنانيين. لا يتوقف أحد عند واقع مخيم عين الحلوة مثلا الذي يمتد لحوالي كلم تقريبا ويقيم فيه أكثر من نحو ثمانين الف شخص. يعتبر معدل البطالة والتسرّب المدرسي وغياب التقديمات الصحية وأبسط الحقوق في الأمن والأمان، «تفاصيل تافهة» لا تستوقف اللبنانيين. بقي الفلسطينيون لعقود متروكين لبؤسهم خوفا من «غودو» التوطين.

صار خبر اقتتالهم شأنا فلسطينيا «داخلياً» لا يعني السلطة اللبنانية. ووسمت مخيماتهم بأنها فقط مراكز لإيواء الإرهابيين والخارجين على القانون. تركت الناس لهامشية مصيرها وكفاحها، وللحد الأدنى من المقومات الحياتية التي تزداد صعوبة، فيما يتسلل التطرف ويراكم على مآسي الناس.

وها هي الصورة تتكرر في موضوع اللجوء السوري او النزوح. تبدأ «المخاوف» من التوصيف والتسمية ولا تنتهي بتصوير مجموعة كبيرة من السوريين بأنهم يريدون اجتياح لبنان وتغليب كفة مكوّن لبناني على آخر.

هنا لّب المشكلة. فلو كانت طوائف السوريين الوافدين موزعة بالتساوي على الطوائف اللبنانية الثماني عشرة، لكان النقاش اتخذ المنحى الواجب اتخاذه سواء لجهة الوافدين او لجهة المستضيفين.

لكن يصدف ان اللاجئين الجدد هم في غالبيتهم الساحقة من السنّة. بالتالي يتراجع الى المراتب الثانوية الكلام في الحقوق الانسانية والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية للسوريين واللبنانيين معا، ليتقدم عليها كلام عنصري وطائفي بلبوس وطني رثّ.

لكن قد يجدر التوقف عند نقطة أثارها أحد الناشطين في الشأن العام في خلوة تحضيرية لمؤتمر حول اللجوء والاقليات في الشرق. فقد عرض مناقشة فكرة «عجز الدولة عن معالجة هذا الملف انطلاقا من جهلها وفسادها معا». برأيه أن «قضية شائكة ومعقدة الى هذا الحد، تربك أوروبا وتجعلها تعيد في كل فترة سبل مقاربتها، لا يمكن أن تُترك للسياسيين اللبنانيين الذين تبدأ الحسابات عندهم بعدد الاصوات في صندوق الانتخاب البلدي وتمر بحجم الحصة من الزفت.. وأقصى طموحاتها حجم التوظيف في المرافق العامة او الخاصة. هؤلاء جاهلون لا يعرفون المواءمة بين التعاطي الانساني والاخلاقي مع النازحين ووضع حلول عملية وعلمية لأزمة اللجوء. فالقضية شديدة التعقيد لا يمكن أن تعالجها عقول بسيطة». يضيف «المؤسف أن تثار قضايا ومشاكل وهموم لبنانية محقة بخلفيات ومنطق طائفي وعنصري».

يكاد السيناريو يتكرر مع السوريين كما سبق واختبره الفلسطينيون. خسر هؤلاء حقوقهم المدنية البديهية ولم يربح اللبنانيون وطنا مستقرا لا سياسيا ولا أمنيا ولا اجتماعيا أو اقتصاديا. انتصرت «الفزاعة» فتناسلت خوفا دائما من توطين لا يريده المعنيون، سواء الضيوف أو المضيفين. لكنه يصلح في كل فترة عنوانا من عناوين الاستخدام السياسي الداخلي في زواريبه الضيقة الافق.