Site icon IMLebanon

المشهد اللبناني المقرف  

 

بقدر ما هو مستنكرٌ الكلام الصادر عن وزير الخارجيّة جبران باسيل، مستنكرٌ أيضاً مشهد الفلتان الأمني وقطع الطرقات وإحراق الإطارات احتجاجاً على كلام باسيل، كان يكفي كميّة الردود الصادرة عن نوّاب حركة أمل دفاعاً عن رئيسها من دون تهديد أمن المواطنين وقطع طرقاتهم وترويع الآمنين، والهجوم على مقرّ رئيسي للتيار الوطني الحر في منطقة ميرنا شالوحي، ولكن ربّ ضارّة نافعة، ما حدث بالأمس يُذكّر الجميع بأنّ هناك أطراف تحتفظ بالسلاح وتشهره متى غضبت لأيّ أمر، سواء أكان الأمر كبيراً أم صغيراً، وعلى المعنيين الذين حموْا ويحمون هذا السلاح المتفلّت في شوارع العاصمة أن يستيقظوا ليجدوا حلاً جذريّاً بنزعه وتسليمه للجيش اللبناني.

 

كاد البلد يشتعل بالأمس من طرف واحد، حان الوقت لإقناع الوزير جبران باسيل أنّه شخصٌ مستفز لكثير من اللبنانيين وليس فقط جمهور الرئيس نبيه برّي، وأنّ عليه تقليل كلامه وتصريحاته وهذه «النتعة» المتكبّرة، على الأقل هو يمثّل الديبلوماسيّة اللبنانيّة، كان يستطيع أن يتخيّر مفرداته بصيغة أرقى ليعبّر عن الخلاف بين فريقه وبين الرئيس نبيه برّي، كان وفّر على نفسه وعلى اللبنانيين هذا المشهد الصاخب الذي هزّ أمن بلد هو من الهشاشة بحيث يُخشى عليه من نسمة هواء فكيف بعاصفة عاتية، ومن المؤسف أنّ يكون هناك أفرقاء متربّصين يتصيّدون أخطاء الآخرين ليستفيدوا منها إنتخابياً حتى وإن أحرقوا البلاد والعباد، ومن المؤسف جداً أن يكون شخص بمستوى رئيس قسم في حزب لبناني مستعد لإحراق البلد لحاجة إنتخابيّة ليس أكثر!

العلاقة أساساً بين الرئيس نبيه برّي والوزير جبران باسيل عقيمة ومعقّدة وفاشلة ولا كيمياء فيها، أساساً بعد الاتفاق على انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً طلب الرئيس برّي أن لا يحضر مع المرشح الرئاسي ميشال عون صهره الوزير جبران باسيل، العلاقة بين الرجليْن سيئة بالأساس، والإنجرار إلى لغة «بالرّوح بالدمّ نفديك يا برّي أو يا باسيل» لن تقودنا إلا إلى اضطرابٍ أمنيّ اللبنانيّون بغنىً عنه، هل وزير الخارجية جبران باسيل أكبر من أن يعتذر؟ لقد ارتكب خطأً جسيماً وأقصر الطرق لإقفال الباب في وجه «مفتاح الشرّ كلمة» هو في الحلّ الذي حمله بالأمس وزير الداخليّة نهاد المشنوق بحكمة شديدة الحلّ الأمثل وطرحه عند باب قصر عين التينة، إعتذار الوزير جبران باسيل لا ينقص شجاعته ويكبره في أعين اللبنانيين، التبريرات للكلام الذي سمعه اللبنانيّون من «محمرش» لا يُجدي، الاعتذار في السياسة «فضيلة».

بات واضحاً أنّ التصعيد لشدّ العصب الانتخابي سيودي بالجميع، في بلدٍ «ما حدا فيه طايق حدا»، لذا ضبط الخطاب الانتخابي والسياسي مطلوب إلى أقصى الدرجات، وليتذكّر الجميع أنّه «ما في حكي بيتخبّى»، ومن المعيب ما شاهدناه بالأمس من يافطات تردّ على كلام الوزير باسيل بلغة التطاول على الأعراض، وأنّ السياسيّين ليسوا آلهة، وليسوا أنبياء ولا قديسين، ولا يحاولنّ أحد أن يفرض تقديسه لشخص زعيمه السياسي على اللبنانيين الآخرين، من المؤسف أن ما شاهدناه بالأمس يشبه ما شاهدناه عندما قدّمت شخصيّة أمين عام حزب الله في برنامج سياسي ساخر وكاد البلد أن يحترق أيضاً!

هذا قمعٌ من نوع آخر.. فريق يقمع عبر تحرّك القضاء وفريق يقمع عبر تحريك شارعه، و»آخرتها»، فائض الاستقواء بالسلاح يجب أن يأخذ طريقه إلى الحل، ولا يقولنّ لنا أحد أن السلاح في بيروت هو لمقاومة إسرائيل، ولا يسحبنّ أحد ورقة «المقاومة» في وجه الجميع كلّما فار شارعه ومناصروه، ليس مقبولاً أن يكون لبنان يستقبل رئيس دولة أخرى فيما ينفلت الشارع في وجه الجميع، أي رسالة يحاول هؤلاء إرسالها للعالم؟!