زبّلَتْ… زبَّلوها مذهبياً على صورتهم ومثالهم، وكل شيء عندنا زبَّلوه ومَذْهبوه.. من الرئاسات الى الوزارات والنيابات والمؤسسات، الى الماء والكهرباء والهواء… ومذْهبوا النفط في البحر قبل استخراجه، ومذهبوا تراب الوطن ولوَّنوه بألوانهم، ومذهبوا الله في الوطن وكفّروه.
صدَق ذلك الخبير الأجنبي الذي زار لبنان في أعقاب الإستقلال متفحِّصاً واقعه التعدّدي الخاص، فخلص الى استنتاجٍ يظهر اللبنانيين على اختلاف مذاهبهم قد مذهبوا معهم الأرض والشجر والثمر، فإذا الزيتون في الكورة ارثوذكسي، والتفاح في جبل لبنان ماروني، والتوت في الشوف درزي، والعنب في زحلة كاثوليكي، والليمون في صيدا سني، والتبغ في الجنوب شيعي، ولم يكن يخطر ببال ذلك الخبير الأجنبي أن هذا الأمر سيستفحل الى حدّ، أنْ يسجّل اللبنانيون نفايات المزابل على خانتهم المذهبية في دوائر النفوس.
ماذا فعلتم بلبنان أيها الزبّالون؟
وكيف رشقتم وجه الوطن الجميل بالأسيد، وشوَّهتم حضارته التاريخية بالتخلّف، وكيف مسَخْتموه عاهةً إنسانية أمام أنظار العالم المتمدن؟
كلُّكم… نعم كلّكم، الفاعل والمشارك والغافل والمستفيد والمتساهل والساكت. كلُّكم شركاء في جريمة اغتيال الوطن، وكلُّكم دونما استثناء تقفون نيرونيين أمام احتراق روما.
بصراحة… لولا هذا الذي انطلق في الساحات «حراكاً» جامعاً عابراً للمذاهب والطوائف، لكنّا جمعنا حقائبنا لاجئين على قوارب التهريب تحت رحمة عباب البحر، أو كنا انتحرنا بسُمِّ اليأس… ومن لم يمت بالسيف مات بغيره.
هذا الحراك، لا تحصوه في الشوارع بل هو ثورة عارمة في البيوت تعزِّز التفاؤل بالمستقبل على أن الشعب لن يستسلم تحت حِقَن التخدير، ولن يخضع للفرز والطمر في المطامر المذهبية، وأن الضحك على هذا الطفل الصغير الذي إسمه الشعب لا يمكن أن يستمر طويلاً.
بصراحة أوضح: إنّ شراهة احتكاراتكم المذهبية وعصبياتكم الغرائزية، جعلَتْ في نفوسنا إنكماشة دينية فاترة، إذ عندما تصبح المذهبية أداة إِثْمٍ وكفْرٍ وشرّ، على غرار ما كانت عليه الكنيسة في أوروبا قديماً، أو مثلما هي عليه التكفيرية الإسلامية اليوم، فقد يساور المؤمنين إذ ذاك جَدلٌ من الشك الديني حول إنسانية الإنسان.
رجاء أيها الذين كفروا، لا تكفّرونا على غرار ما أصاب الشيخ ابراهيم اليازجي حين تأجّج الصراع المسيحي – الإسلامي بالدم فقال:
الشرُّ كلُّ الشرِّ ما بين العمائمِ والقلانسْ والخيرُ كلُّ الخيرِ في «هَجْر» الجوامعِ والكنائسْ.