لم يعد الأمر، أقله بالنسبة لرئيس الجمهورية، مجرد عقد حكومية. ثمة تخوف من تكرار سيناريو الرابع من تشرين الثاني 2017، بطرق مختلفة، لكن بالمضمون ذاته: أي استهداف العهد. يستشعر زوار بعبدا بأن هناك من يضخ مناخاً من الإشاعات لاستهداف الوضعين الاقتصادي والمالي. في المقابل، رئيس الحكومة المكلف الى سفرٍ جديد، ولو لوقت غير طويل. مناخ التأليف مجمد، ومهما طال «لن يعتذر رئيس الحكومة»، على حد قول زواره.
ما أشبه اليوم بالأمس حكومياً، وإن تبدّل السيناريو، إنما الهدف واحد، وهو «تطويق الرئيس المكلف سعد الحريري، لمنعه من التأليف تعطيلاً لمسيرة العهد وصولاً إلى ضربه واستهدافه». هذه القناعة تولّدت لدى مراجع رسمية عليا، لكنها تقابلها بمزيد من الإصرار على المضي في تقديم كل التسهيلات لولادة الحكومة الأولى للعهد وإفشال كل محاولات إسقاط لبنان، سياسياً واقتصادياً.
يستذكر قريبون من العهد ما يسمونه «ذلك اليوم المشؤوم في الرابع من تشرين الثاني 2017، يوم خرج رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، ليذيع، عبر الشاشة، بيان استقالته المفاجئة، عارضاً أسباباً لها، تتناقض كلياً مع ما كان قد أعلنه من بيروت قبل توجهه إلى السعودية.
في ذلك اليوم التاريخي، أمسك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بزمام المبادرة، منطلقاً من التزامه بقسمه الدستوري بالحفاظ على لبنان وسيادته وقراره الحر، رافضاً هذه الاستقالة، ومعتبراً إياها كأنها لم تكن، رابطا البت بها بعودة الحريري إلى بيروت، لتبدأ في حينه درب جلجلة سياسية انتهت إلى إفشال مخطط خطير «كان يهدف إلى النيل من لبنان».
يكشف القريبون أن السياق المفترض لواضعي سيناريو استقالة الحريري (4 ت2)، والذي جنّدت له جهات في الداخل، «كان وقوع رئيس الجمهورية في خطيئة قبول الاستقالة والدعوة فوراً إلى استشارات نيابية ملزمة تنتهي بتكليف الحريري أو غيره، بحيث لا يؤلف الرئيس المكلف الحكومة ويطول الأمر إلى أشهر وربما سنوات، بما يضرب مسيرة العهد في مهده، ويدخل لبنان في توترات خطيرة جداً، غير أن إدارة المواجهة مع هذا المخطط، على المستوى الوطني والعربي والدولي، تمكنت من تعطيل المخطط والحد من تأثيراته وتداعياته والانطلاق من جديد عبر حاضنة وطنية ودولية لرئيس الحكومة أدت إلى عودته إلى لبنان وانتظام مجلس الوزراء مجدداً وإجراء أهم استحقاق دستوري بعد طول انتظار تمثل بالانتخابات النيابية وفق قانون نسبي حقق إلى حد بعيد صحة التمثيل».
يبدو، بحسب القريبين من العهد، «أن محاولات استهداف العهد لإسقاطه لم تتوقف، وهذه المرة من خلال حصار الرئيس المكلف وفرض شروط تعجيزية عليه لمنعه من تأليف حكومة ما بعد الانتخابات، والتي يفترض أن تعكس حقيقة هذه النتائج، وليس كما يطرح من قبل هذا الموقع أو ذاك، والذي يتضمن في طياته الانقلاب على نتائج الانتخابات، فرئيس الجمهورية قام بواجباته الدستورية على أكمل وجه، وهو قدم كل ما يمكن من التسهيلات وتدخل مساعداً الرئيس المكلف عبر توزيع للأدوار بينهما في سبيل تذليل العقد والعقبات عبر مشاورات ولقاءات، وهو يواصل مساعيه طارحاً أفكاراً تستبطن تنازلات، إلا أنه كلما أعيدت الأمور الحكومية إلى نصابها، يأخذها البعض إلى منحى آخر، حتى وصلت إلى الاستهداف الشخصي، بحيث يبدأ الهجوم على رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وينتهي بالهجوم على رئيس الجمهورية، عبر إشاعات وتوهمات واختلاقات ليست في ذهن العهد ولا يفكر بها أصلاً».
حل عقدتي سمير جعجع ووليد جنبلاط «ستكون بالحقائب ونوعيتها وليس بالعدد»
يعطي القريبون من العهد عدداً من الأمثلة على ذلك «فالذين تبرعوا للقول إن رئيس الجمهورية يريد تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة متى سمعوا هذا الكلام وممن سمعوه، والرجل منذ أكثر من عام أعيد التجديد له في الحاكمية، ولو كان الأمر صحيحاً، ما كان وافق رئيس الجمهورية على ذلك ولكان طرح بديلاً، فالرئيس لم يأت يوماً على ذكر تغيير سلامة. الأمر ذاته ينطبق على إشاعة تغيير رئيس مجلس الإدارة المدير العام لشركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، أيضاً لم يأت عون على ذكر تغييره، وهذا الأمر يعرفه الحريري جيداً لأن أي بحث في قرارات على هذا المستوى تطرح معه، ويتخذ القرار على طاولة مجلس الوزراء، والسؤال لماذا طرح هذه الأكاذيب وما هو الغرض منها؟ وهل من يقف وراءها يريد إثارة قلاقل لها علاقة بالوضعين المالي والاقتصادي؟».
لا يتأخر القريبون من العهد عن وضع «هذه الإشاعات المعروفة الهدف، في خانة الإضرار بالبلد وتهديد الأمن الاجتماعي لكل اللبنانيين عبر تهديد الاستقرار المالي والاقتصادي».
لكن ماذا عن جديد عملية تأليف الحكومة العتيدة؟
في هذا السياق، ينتظر القصر الجمهوري زيارة رئيس الحكومة المكلف «في أي لحظة، ومن المتوقع أن يحمل معه صيغة هي عبارة عن مسودة حكومية من ثلاثين وزيراً تتضمن مخارج لتمثيل كل من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، أما التمثيل السني من خارج تيار المستقبل، فإن الحريري لن يعارض أي اسم للوزير السني من حصة رئيس الجمهورية، ولا مشكلة لديه في من سيسمي والأقرب للتسمية الذي لا يشكل استفزازاً أو تحدياً، هو النائب فيصل كرامي ولكن لا شيء محسوماً حتى الآن». وتفيد المعلومات أن حل عقدتي سمير جعجع ووليد جنبلاط «ستكون بالحقائب ونوعيتها وليس بالعدد، أما حصة الرئيس والتيار الوطني الحر، فستكون عشرة وزراء، فضلاً عن وزير لتيار المردة».
عون: التركة التي ورثناها ثقيلة
دعا الرئيس ميشال عون اللبنانيين «إلى مساعدة الدولة في مكافحة الفساد لأن لا إمكان في إنجاز إصلاح في مجتمع لا يريد شعبه مواجهة الفساد فيه»، وفيما تساءل عن الأهداف الحقيقية للذين يطلقون مواقف تضعف الثقة بالاقتصاد اللبناني والعملة الوطنية، أكد عون أن «لبنان يمتلك ثروة نفطية على طريق الاستخراج لا خوف من الإفلاس في ظلها»، مشدداً على «ضرورة التحلي بالمسؤولية قبل إطلاق الأخبار التي تثير القلق في نفوس المواطنين»، وأشار إلى «أننا نعمل على إعادة استنهاض الاقتصاد لكن الأمر لا يتم بين ليلة وضحاها بل يتطلب المزيد من الصبر وسعي القطاعات إلى الصمود قدر الإمكان في هذه الفترة، لأن التركة التي ورثناها ثقيلة»، مجدداً التأكيد على السعي «لتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج».