الأمر الافتراضي أنّ اليونان متعثرة حالياً وأنّ الأمر لا يقتصر على كونها لا تستطيع سداد ديونها في الاجل القصير فحسب، انما كونها لن تكون قادرة على مواكبة الفوائد، وهذه الديون ستزداد حتى تصبح مستعصية. وقد يكون إفلاس اليونان امراً مؤلماً ليس فقط لها إنما لأوروبا بشكل عام وللنظام المالي العالمي بشكل خاص.
يعني السماح لليونان بالإفلاس فيما يعنيه التخلّي عن النظام الأوروبي وفكرة التضامن بين الدول الاعضاء في الاتحاد. وقد تكون اشارة الى العودة الى منظومة «كل بلد لنفسه» بما يمكن أن يزعزع الثقة بالاتحاد الاوروبي وله من المخاطر المعنوية ما يدعو للقلق.
وسيكون ذلك مكافأة لعدم المسؤولية ويشجع فكرة أنه ورغم ما يمكن أن يحدث فصندوق النقد الدولي والمركزي الاوروبي، سيكونان دائماً جاهزين للمساعدة.
وإفتراضية إفلاس اليونان ستؤثر على العديد من الدول وسوف تولد الذعر في الاسواق المالية مما يعني ارتفاعَ تكاليف الاقتراض وانتشار عدوى الديون لتشمل كل بلد في منطقة اليورو.
واليونان متعثرة وسوف تفلس في نهاية المطاف انما الوقت قد يكون غير مناسب لا سيما وأنّ النظام المالي العالمي لا يزال هشاً وأوروبا المالية غير محصّنة لمثل هكذا حدث ومساعدتها قد تكون اضمن الامور ريثما تتحسّن الوضعية العالمية وتصبح الامور مستقيمة بشكل يستوعب مثل هكذا حدث.
اضف الى كل تلك التناقضات، التحديات القانونية لا سيما أنّ الاتحاد الاوروبي يمنع أيّ عملية Bail out وهو سعى دائماً الى شراء السندات اليونانية بأعداد كبيرة وأيّ مساعدة اليوم قد تكون إن لم نقل انتهاكاً للقوانين فعلى الاقل قانونيّتها مشبوهة.
لذلك نرى الاتحاد الاوروبي اليوم يواجه ازمة تلوح في الافق ومن شأنها أن تهدّد استدامة منطقة اليورو. ولذلك حذّر صندوق النقد الدولي من أنّ ديون اليونان على طريق متفجّرة رغم سنوات من محاولات التقشف والاصلاحات الاقتصادية. كذلك مموّلو الصندوق والذين يكرهون الطريقة التي يتعامل معها الصندوق مع دول اوروبا المتعثرة مطالبين بإلقاء العبء على الاتحاد الاوروبي في الوقت الذي لا تريد فيه المانيا إرسال اموال الى اثينا وتستبعد اوروبا حالياً إرسال أيّ إغاثة اخرى قبل انتهاء برنامج الانقاذ الحالي عام ٢٠١٨.
لذلك لا بد من القول إنّ الازمة المالية التي تعصف بالاقتصاد اليوناني تُعتبر بمثابة عظة ضد عدم المسؤولية من قبل الدول فيما يختصر بالهدر والتمويل واستباحة الاستدانة والعبث بما يسمى الإنفاق المسؤول.
والملفت للاهتمام والذي يمكن مقارنته الى حدّ بعيد بالوضع اللبناني، أنّ متاعب اليونان المالية بدأت منذ سنين عندما بات يُكافَأ أنصار الاحزاب بالتحكّم بالوظائف الحكومية، وهذه الممارسة ادت في نهاية المطاف الى أن يكون واحدٌ من بين كل خمسة مواطنين في سن العمل عنده وظيفة حكومية، واستُتبع ذلك برفع معاشات هؤلاء الموظفين واقترن هذا المعروف مع سوء تحصيل ضريبي ما أوصل الامور الى نقطة اللارجوع لا سيما أنّ اليونان تحوّلت نحو الاقتراض وبدأت هكذا سلسلة من القروض تدعمها عضوية اليونان في الاتحاد الاوروبي وضمانة أنّ العجز لا يمكن أن يتجاوز ٣ بالمئة من الناتج حسب قوانين الاتحاد.
وجاءت الازمة المالية العالمية لتزيد الامور تفاقماً لا سيما بعد انهيار ليمان برازرز الذي أدّى الى سَنّ قواعد اكثر صرامة للاقتراض فارتفعت تكاليفه ارتفاعاً كبيراً وفي لحظة اصبح من المستحيل على اليونان سداد ديونها دون المزيد من القروض.
وجاءت عمليات الانقاذ المتتالية مصحوبة بجملة إصلاحات وعمليات تقشف لم تعطِ لغايته النتائج المرجوَّة. ويقدر الخبراء الحاليون أنّ اليونان قد لا تصل الى الاستقرار المالي قبل العام ٢٠٢٠ أو في وقت لاحق.
(بعد ٢٠٠٨ وترنّح الاسواق المالية العالمية اعلنت اليونان في تشرين الاول ٢٠٠٩ انها قللت من حجم عجزها ما زاد المخاوف بشأن سلامة الاوضاع المالية اليونانية).
هذا ومحاربة الدين بالدين والذي أتبعته اوروبا مع اليونان يستدعي السؤال التالي: لماذا لا تزال الازمة على حالها واليونان تلقت مليارات الدولارات من المساعدات.
وقد يكون الجواب سهلاً لا سيما وأنّ تقديم الإعانات المالية ذهب اساساً نحو سداد القروض الدولية في اليونان وليس الى الاقتصاد ومازالت الحكومة تحت عبء دين كبير لا يمكن تحفيفه إلّا بدفع الاقتصاد نحو الانتعاش وحتماً بعملية Bail out جديدة.
وهنا نرى أنّ أوّليات صندوق النقد الدولي والدائنين بقيادة المانيا مختلفة تماماً إذ إنّ الصندوق دعا اليونان الى تغيّرات اكثر طموحاً في اقتصادها بما في ذلك إصلاحات سوق العمل وصندوق النقد الدولي لم ينضم في العام ٢٠١٥ الى ثالث Bail out لأنه لا يرى منفعة دون تخفيف عبء الديون.
ويوافق الدائنون اقتراحات الصندوق ولكن يستبعدون أيّ تخفيف لعبء هذه الديون وهذا ما اكده مراراً مسؤولون ماليون في منطقة اليورو. لذلك وإذا ما بقي صندوق النقد والدائنون لا سيما المانيا وسواها على موقفهم فالخيار الوحيد المتروك لليونان هو التخلي عن اليورو.
هذا والامر الذي بدا خطيراً في السابق وحسب بعض المحلّلين لم يعد نفسه الآن لا سيما وان اوروبا وضعت ضمانات للحدّ ممّا يُسمى العدوى المالية في محاولة منها لمنع ظهور مشكلات أخرى.
كذلك كون اليونان جزءاً صغيراً من اقتصاد منطقة اليورو ولن يكون لها التأثير الكبير على اوروبا ككل. لكنّ الأمور ليست بهذه السهولة لا سيما أنّ دولاً عديدة في اوروبا عندها مشكلات مالية لا تُحصى وايطاليا ومصارفها اولى تلك الدول كذلك اسبانيا ومعظم السياسات المالية التي اتّبعها البنك المركزي الاوروبي لإنعاش اقتصاد القارة لم يأتِ بالنتائج المرجوّة.
ولكن السؤال قد يكون ما هي النتيجة في حال تعثرت منطقة اليورو إذ قد يكون من المؤكد أنّ موجة الديون السيادية عبر اوروبا من شأنها أن تزعزع النظام المالي العالمي من جذوره.
وإذا كان هنالك التزام اوروبي تجاه اليونان ولفترة طويلة فإنّ ذلك غير متوفر لكثير من الدول المديونة عالمياً ولبنان في طليعتها وإذا كانت الارقام التي تتردّد عن مستوى الدين وزيادة العجز هي الصحيحة فلا بد من خلية ازمة اقتصادية تسعى الى فرملة المديونية وتخفيف العجز ووقف الانفاق غير المسؤول واجراء اصلاحات اقتصادية هيكلية تساعد على عملية الفرملة هذه وتعيدنا الى مستويات قد تكون اقتصادياً اكثر قابلية للحياة.