Site icon IMLebanon

سيناريو «التمرّد» المسيحي.. وأثمانه الباهظة

هكذا، بعد مرور أكثر من أسبوعين على اللقاء – الانقلاب الذي استضافته العاصمة الفرنسية والذي جمع قطبين من اصطفافين خصمين، في مربع التقاء خارح السياق المعتمد منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005، لا تزال مواقف القوى المحلية على حالها.

المنحازون لهذا الخيار صاروا معروفي الهوية: سعد الحريري في طليعتهم وفريقه الملاصق، الرئيس نبيه بري ولو أنّه يكتم حماسته حفاظاً على ما تبقى من تواصل مع العونيين، وليد جنبلاط أول المغرّدين في هذا السرب، وطبعاً «مرشح الانقلاب» سليمان فرنجية الذي سجّل خطوات نحو الأمام في مسار الترشح من دون أن يقطع مع ترشيح حليفه الجنرال ميشال عون.

أما أبرز الرافضين ولو لم يقولوها بعد، ويتّكلون بالهمس والإشارات تعبيراً عن ممانعتهم، بسبب حرصهم على عدم الإنزلاق الكلامي والذهاب أبعد مما يلزم، هم القوى المسيحية: «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» في طليعتهم، وبدرجة أقل منهما «الكتائب».. ثم بعض المستقلين في «14 آذار».

بين المدارين، ثمة فريق يغلق بموقفه على نفسه، ويعمل من دون ضجيج، ويترقب، والمقصود به طبعاً «حزب الله» المتمسك بخيار الوقوف خلف سيد الرابية، الى أن يقول عكس ما يطمح إليه منذ زمن.

وحدها المظلة الدولية هي التي فردت جناحيها فوق اللقاء الباريسي وحاولت إزالة سحابة الغموض التي كانت تغطي الساحة اللبنانية طوال أشهر، فاندفعت باتجاه تحصين المسار الذي رسم بين القطب الزغرتاوي والشيخ المغترب، وتقديمه على شكل طبخة تحظى بالمباركة الدولية اللازمة لتكون «طبق العيد».

هكذا، انقسم الشغل بين فريقيّ «8 و14 آذار»، كل يعمل على جبهته لترويج التفاهم وتوسيع مروحة المشاركة فيه. يتولى فرنجية الأمر مع الحليف البرتقالي، وهو يعرف جيداً أي عقبات تنتظره وأي عوائق هي التي تحول دون إتمام الاتفاق سريعاً، مع أنّه حتى اليوم متمسك بالحلف القائم بين بنشعي والرابية ويؤكد عند كل إطلالة له أنّ هذا الفريق لن يذهب إلا موحداً الى الاستحقاق الرئاسي.

صحيح أنّ هذه التطمينات تسقط احتمال التشقق البنوي في عمارة «8 آذار» ولكن لن يعفيها من ضريبة الاختلافات التي ستظهر على جسدها، في كل الأحوال، وقد بدأت تتجلى راهناً على جدران مواقع التواصل الاجتماعي التي تفيض بالانتقادات، خصوصاً في ما يتصل بقانون الانتخابات وإمكانية تخلي زعيم «المردة» عن طموحات التغيير، مع أنّ المتحمّسين لترشحه يردّون بأنّه حين التقى الحريري مع الجنرال عون لم يكن قانون الانتخابات ثالثهما.. فلماذا تحميل فرنجية ما لم يحمله غيره؟

على المقلب الآخر، وتحديداً على خط بيت الوسط – معراب ثمة هدوء مثير للاستغراب. لا سمير جعجع قادر على استيعاب انقلاب حليفه بدم بارد، ولا الأخير يبذل جهداً استثنائياً كي يخفف من وطأة «الخطيئة» التي ارتكبتها يداه. الاعتقاد سائد أنّ الرياض وحدها تملك مفتاح معراب وباستطاعتها أن تبتكر الإخراج اللائق كي لا «يموت ديب» المعارضة القواتية ولا «يفنى غنم» انتخاب فرنجية رئيساً.

هكذا، تحرص معراب على عدم إلباس سكوتها أي عباءة لا تعبّر عن حقيقة موقفها، فترفض تبني التسريبات الاعتراضية التي قد تلجأ اليها في ردة فعلها تجاه الأحداث الانقلابية.

ولهذا مثلاً، لا يرى بعض المسيحيين المتابعين أي ترجمة لسيناريو ترشيح «القوات» للعماد ميشال عون. ثمة من يقول إنّه يشبه دواء «ليسترين» الذي يوصف بعد فوات الآوان، لأنّه لو كان يُراد منه قطف العنب لا قتل الناطور، كان يفترض اللجوء اليه حين كانت اللعبة بين أيدي الأقطاب الموارنة الأربعة وتمت دعوتهم للتوافق على مرشح توافقي يبعد الشغور عن القصر الرئاسي.

أما الآن، فلهذه الحسابات، إنّ صحت، مسار آخر لا يوصل على الأكيد الجنرال الى الرئاسة حتى لو وقف القواتيون الى جانبه قولاً وفعلاً. يقول هؤلاء المسيحيون إنّ تجيير ورقة معراب لمصلحة الرابية دونه محاذير تتصل بالحلف الذي يربط القلعة الكسروانية بالديوان الملكي في الرياض.

إذ إنّ تمرد «القوات» على هذا القرار الاستراتيجي لن يمرّ بطبيعة الحال مرور الكرام، لأنه لا يساوي قرار مقاطعة الحوار أو الحكومة أو حتى السير بقانون استعادة الجنسية تمتيناً لـ «اعلان النيات». هنا تختلف الأمور، ومن شأن تجاوز هذه المسألة، تعريض الحاضنة الإقليمية لمعراب للاهتزاز، وبالتالي تعريض هذا الحلف للكسر أو للتمزّق.

وحتى لو حصل، وتمكن سمير جعجع من إنقاذ نفسه من هذا الثمن، وذهب الى حدّ رفع يد رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» تأييداً له في معركة الرئاسة، فهل سيحمل هذا التفاهم الثنائي الجنرال الى القصر؟

يردّ بعض المطلعين بأنّ هذا السيناريو لا استثمار له الا في تعطيل وصول فرنجية الى كرسي الموارنة، لأنه لن يحمل بالمقابل الجنرال عون الى حيث يطمح بسبب الاعتراض السعودي. وبالتالي العودة بالجميع الى الحائط المسدود وتمديد عمر الشغور الى أجل غير محدد.

هكذا، تتكاثر الأسئلة في أذهان العونيين والقواتيين هذه الأيام، منها على سبيل المثال:

– لماذا غُيّب المسيحيون عن اللقاء الباريسي الذي فضحته التسريبات؛ وإلا لكان لا يزال في علم الغيب ينتظر إنضاج طبخته؟

– إذا كان الديبلوماسيون الغربيون هم طباخو هذا الطبق، ولو عن بعد، كيف لم يعرف وزير الخارجية جبران باسيل بوضع الطبخة على النار؟

– هل يتحمّل المسيحيون وضعهم من جديد أمام معادلة «الضاهر أو الفوضى»، واستطراداً 13 تشرين جديد، مع ما يعني ذلك من خروج لهذه القوى من السلطة واستبعاد ناسهم عن التركيبة؟

– إذا كان تفاهم «التيار الوطني الحر» – «المردة» له أسسه الاستراتيجية المتينة، خصوصاً أنّه أعاد اللحمة بين جبل لبنان الماروني والشمال الماروني، فما الذي يجعل من اتفاقهما راهناً صعباً؟ أوليس هذا الاتفاق مسؤولية الفريقين؟

– كيف ينظر «حزب الله» الى مستقبل علاقته مع المسيحيين؟ وأين هي ضمانته؟