IMLebanon

سيناريو لتقسيم سوريا 5 أقسام؟

 

يسود في الكواليس الأوروبية هَمس بات مسموعاً لراصديه عن أنّ سوريا ذاهبة للتقسيم، وذلك «وفق خريطة أمر واقع عسكري تفرزها المعارك الدائرة حالياً على الأرض». وقد يصبح هذا التقسيم مُشرّعاً دولياً فيما لَو طال الزمن عليه ولم تنجح القوى المعنية بالأزمة السورية في إنتاج حلٍّ سياسي لها.

ماذا في حقيبة راصدي هذا الهمس الأوروبي، وكيف تردّ أوساط دمشق عليه؟

لم يرد نَفي لا أميركي ولا روسي لمضمون التسريب عن لقاء وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري عن توافقهما على تقسيم سوريا. ويتزامن صمتهما مع شيوع تداول سيناريو عن تقسيم سوريا الى خمسة أقسام على أساس خريطة «أمر واقع» أخذ يفرضها مسار المعارك الدائرة حالياً على الارض. وتجدر الملاحظة أنّه حتى اللحظة، يدور الحديث عن خريطة «أمر واقع» وليس «خريطة قانونية».

ويتحدّث هذا السيناريو عن «سوريا الغربية» التي ستكون ما تبقّى من الجمهورية العربية السورية، وعن أنّ تركيبتها الديموغرافية ستؤدّي وظيفة «ملجأ الأقليات السورية» في مرحلة ما بعد انهيار حدود سايكس – بيكو، وذلك على نحو يكرّر فوق خريطتها، الوظيفة نفسها التي أدّاها لبنان في مرحلة ما بعد انسحاب الاستعمارَين الفرنسي والبريطاني من المشرق بعد الحرب العالمية الثانية. وتمتد مساحة «سوريا الغربية» وفق «خريطة الأمر الواقع»، من دمشق حتى اللاذقية مروراً بحمص.

المنطقة الثانية، هي منطقة شمال سوريا التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» المتحالفة مع فصائل إسلامية اخرى، وتضمّ أدلب وحلب وجسر الشغور ومنبج والباب.

أمّا المنطقة الثالثة فهي المنطقة الكردية، وتتشكّل من القامشلي ورأس العين، وتضمّ الرابعة المنطقة الشرقية الواقعة تحت سلطة «داعش» وتشتمل على الرقة والحسكة وضفاف الفرات حتى الحدود العراقية، فيما الخامسة مخصّصة لمنطقة الجنوب السوري المشكّلة من القنيطرة ودرعا، ومن المرشّح أن تنضمّ اليها السويداء ذات الكثافة السكانية الدرزية، والاخيرة ستنضمّ إليها إمّا بـ«السيف» أو بـ«أسلمَتها»(!!).

ما هي الموجبات التي يطرحها القائلون بسيناريو حدوث تقسيم أمر واقع لسوريا، بوصفها مستجدات تجعل النظام السوري يقبل بها؟!

تُطرح في هذا الاطار موجبات عدة، أبرزها يتحدث عمّا يطلق عليه «نكبة العلويين». فمن أصل 240 ألف قتيل سوري نتيجة الحرب السورية حتى الآن، هناك نحو 75000 بينهم علويّين، من صفوف الجيش او اللجان الشعبية المساندة للنظام.

أي انّ ثلث قتلى الحرب السورية هم من القاعدة الاجتماعية للنظام التي لا تملك قدرة ديموغرافية على تعويض هذه الخسائر البشرية على مدى قصير او متوسط. وعليه، فإنّ النظام بات ملزماً اعتماد خطة قتال دفاعية أساسها تجميع قوّاته في مناطق وجود قاعدته الاجتماعية (المنطقة الساحلية ودمشق ومدينة حمص) وتحيط بها مخاوف من أن تواجه خطراً وجودياً في حال دخلت اليها الفصائل الاسلامية المتشددة.

الموجب الثاني يفيد أنّه في مقابل معادلة العجز الكبير في ميزان القدرة على تعويض الخسائر البشرية لدى القاعدة الاجتماعية للنظام، فإنّ الميزان ذاته يؤشّر لقدرة المعارضات الاسلامية السلفية خصوصاً على تعويض خسائرها البشرية واستبدال ما تفقده من مقاتلين بآخرين جدد.

وتدلّ الاستطلاعات الاستخباراتية على أنّ منسوب تدفّق الشبّان من داخل سوريا وخارجها الى صفوف «داعش» زاد مع بدء ضربات التحالف الدولي في كل من سوريا والعراق. كما تُظهر هذه الاستطلاعات أنّ إدراج «داعش» و»النصرة» على لوائح الارهاب الدولية أعطى نتائج عكسية، كون هذا الإجراء أفادهما إعلامياً وحوّلهما نقطة جذب للشباب الراغبين في الجهاد حول العالم، أو أقلّه لَفت نظر هؤلاء إليهما بوصفهما القوّتين الأكثر إيذاء للقوى المعادية «للإسلام الجهادي».

أغلب الظن – ودائماً بحسب القائلين بهذا السيناريو – أنّ النظام السوري وحلفاءه استنتجوا أن لا سبيل أمامهم لمواجهة عجز الميزان الديموغرافي لغير صالحهم، إلّا خيار تجميع قوة النظام في مناطق تتّسِم بميزتين، أوّلهما أنه يمكن الدفاع عنها؛ وثانيهما انها مناطق يمثّل الدفاع عنها مصلحة وجودية لقاعدة النظام الاجتماعية. امّا بقية المناطق في الشرق والشمال والوسط فيمكن حالياً على الأقل، او ربما على نحو مستديم، الانسحاب منها لعدم تحوّلها ساحات لاستنزاف مزيد من الطاقة البشرية العلوية المتبقية.

دمشق: نظريتان

المعلومات المُستقاة من دمشق تؤكد أنّ انكفاء النظام عن مناطق واسعة من الجغرافيا السورية، يُعبّر فعلاً عن وجود خلل استراتيجي، ولكن يمكن تصحيحه من خلال عاملين اثنين؛ الأوّل تصحيح النقص البشري عبر توحيد الجهد الحربي السوري واللبناني والعراقي في المعركة السورية، والثاني عبر إجراء تخطيط جديد للمواجهة العسكرية في سوريا.

وضمن هذه الجزيئة تتردد مقولات عن أنّ الجيش السوري حتى الآن لم يستعمل أيّ نسبة من مخزون أسلحته الصاروخية والجوية الحديثة، وذلك لتوفيرها ريثما يحين توقيت عسكري له مراديد سياسية.

ويعتقد البعض أنّ التوقيت صار مناسباً سياسياً لزَجّ هذه المنظومة الأحدث من ترسانة الجيش السوري في المعركة. ولكن ضمن الإطار نفسه، يلاحظ تناقض في المعلومات المُستقاة من دمشق لجهة ما إذا كان الشهر الحالي سيشهد شنّ النظام هجوماً شاملاً لاستعادة مناطق خسرها خلال الشهر الماضي، وخصوصاً في شمال سوريا.

فبينما تتحدث مصادر قريبة من النظام أنّ المطلوب في هذه المرحلة فقط الصمود وراء خط الدفاع عن معاقله الرئيسة، في انتظار أن تصبح إيران قادرة على التفرّغ للوضع السوري بعد التوقيع المُحتمل لاتفاقها النووي مع مجموعة (5+1) نهاية حزيران الجاري، فإنّ مصادر أخرى تفيد أنّ الاتجاه هو عكس ذلك، بمعنى أنّ المطلوب هو شنّ هجوم يَتكئ على دعمٍ تسليحيّ حديث، ومَدد بشري يوحّد الجهد الحربي العراقي واللبناني والسوري، يؤدي حتى نهاية هذا الشهر الى تغيير موازين القوى على الارض السورية، ما يحقّق نوعاً من التلاقي الإيجابي بين انتصارات عسكرية في الميدان السوري وانتصارات سياسية لإيران في مفاوضات جنيف.

الجولاني وأميركا

ليس واضحاً حتى اللحظة ما اذا كانت واشنطن سَلّمت بتقسيم سوريا وباتت تميل لاعتباره أمراً واقعاً، او أنها تسعى فعلياً لذلك ضمن خطة مسبقة. فحتى الآن هناك معرفة بما لا تريده واشنطن في سوريا، وفي المقدّمة هو تحاشي إسقاط النظام قبل ضمان أنّ ما سيحدث في اليوم التالي لسقوطه، لن يُكرّر في سوريا إحداث سيطرة الاسلاميين المتطرفين عليها كما حصل في ليبيا بعد سقوط معمر القذافي.

وفي السياق، يرسم مصدر ديبلوماسي عربي معادلة أدقّ لِما تريده واشنطن. ويقول إنّ ايّ رهان على تطور موقف اميركا من سوريا لمصلحة تسليح المعارضة جدياً وإسقاط النظام هو أمر مرهون بقدرة الدول المعنية بهذه الأهداف على أن تُثبت لإدارة اوباما أنها تملك خريطة عملية وواضحة للميدان السوري تفرّق بين المعارضة المعتدلة والمعارضة المتطرفة. وهو أمر ليس متوافراً حتى الان، علماً أنّ محاولات تجري لإنجازه وذلك من خلال إنتاج «ماكياج لجبهة النصرة» يجعلها مقبولة من الغرب.

وتكشف مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» سياق هذه المحاولات وفق الآتي: فقد كانت بدايتها مع بدء العمل لتشكيل «جيش الفتح» الذي خاض معارك شمال سوريا، حيث برزت فكرة ترمي لإنشاء بنية قتالية لخوض هذه المعركة غير محسوبة على تنظيم «القاعدة» على رغم مشاركة «جبهة النصرة» بكثافة فيها.

واقترحت أنقرة آنذاك إطلاق تسمية «جيش الفاتح» على الفصائل المنضوية في معركة الشمال، وذلك بهدف إعطاء انطباع بأنّ انتماءه على صِلة بتراث الاسلام التركي. لكنّ هذه التسمية أثارت حساسية من غير طرف مشارك في دعم إنشاء تشكيل «جيش الفتح».

ثم جرت محاولة أخرى خلال معارك الشمال، قادَها هذه المرة أمير «النصرة» في حلب الذي رفع شعار أنّ «جبهته لا تريد الارض ولا السلطة» بعد «تحرير» شمال سوريا، بل كل هدفها هو إسقاط النظام. ثم استمر هذا المسعى قبل أيام مع ظهور ابو محمد الجولاني ليعلن ما اعتبره محلّلون في شؤون الحركات الاسلامية مواقف متقدمة عقائدياً، أبرزها قوله إنه ليس معنيّاً بقتال الغرب وطَمأنته المسيحيين والعلويين والدروز.

أساس الفكرة الراهنة الساعية لجعل الغرب يطمئنّ لدور «النصرة» داخل حرب المعارضة السورية لإسقاط النظام، تقوم على تحليل يفيد بأنّ الجولاني يخطو خطوات متقدمة داخل عالم الفضاء السلفي الجهادي، وهو تَخلّيه عن «نظرية العدو البعيد» لمصلحة تَبنّيه فقط «العدو القريب».

وترجمة ذلك عملياً أنّ الجولاني ومعه تيارات في «القاعدة» دخلت بعد موت أسامة بن لادن منظومة أنصار الشريعة، وهو التيّار القائل بترك قتال أميركا (العدو البعيد) والتفرّغ لقتال أنظمة بلادهم لإسقاطها (العدو القريب). لكنّ إعلان الجولاني لم يكف على ما يبدو الغرب، طالما أنه مستمر في الإعلان انه جزء من «القاعدة».