فتَح التفاهم على «اتفاق الإطار» الذي أعلن عنه من لوزان بين طهران ومجموعة الدول (5 + 1) الباب على مزيد من السيناريوهات حول مرحلة ما بعد هذه المحطة وما تفرضه المرحلة الإنتقالية من إجراءات ستنعكس حكماً على مجمل الأزمات المرتبطة بالصراع في ما بينها. ومنها ما يحصل في لبنان وسوريا والعراق. فما الذي ينتظره لبنان؟
تعتقد مصادر ديبلوماسية مطّلعة أنّ التفاهم الإيراني – الغربي ستكون له انعكاساته على مختلف الأزمات التي ترتبط في زاوية منها بالوضع في إيران وتوجّهاتها في أكثر من منطقة في العالم، على رغم الإشارات الإيرانية بأنّ ما تشهده لوزان لا يتناول سوى البرنامج النووي الإيراني ولا يعني بقية الأزمات.
لكنّ الواقع يقول إنّ بلداناً عدة اعتبرت أنّ التفاهم سيؤثر في مجرى أحداثها. فالتوقف أمام تركيبة كلّ وفد من وفود الدول الغربية التي فاوضت إيران تحت عنوان الملف النووي يوحي بذلك، وخصوصاً بعدما تبيّن أنّ من بين الوفود من لا يتعاطى في حياته الشؤون النووية بكل أوجهها كما تبيّن من تركيبة الوفد الأميركي ووفد الإتحاد الأوروبي على الأقل، اللذين ضمّا المكلّفين من الطرفين بملفات الشرق الأوسط والأزمات الدولية الأخرى.
والدليل الإضافي الذي لا يمكن إخفاؤه أنّ ردّات الفعل على التفاهم التي صدرت من اسرائيل ولبنان وبعض دول الخليج العربي سبقت ردّات الفعل من الدول المعنية أو أعقبتها على الفور، وجاءت لتؤكد أنّ ما بعد هذا التفاهم لن يكون في شكله ومضمونه كما قبله.
وعليه، فإنّ لبنان – وحسب هذه المصادر الديبلوماسية – يترقّب ردات الفعل وهذه الإنعكاسات بمزيج من القلق والإرتياح في آن. فالتفاهم سيُحيي الكثير من «السيناريوهات النائمة» التي كانت تترقّب بالمرآة صاحبة الوجهين، الحصيلة النهائية لهذا الحوار، وهي تحتسب الأمرين معاً في حال النجاح او الفشل، على أنّ لكلّ منهما تبعاته السلبية أو الإيجابية.
أمّا وقد بدأ احتساب المرحلة الإنتقالية التي تمتد من الأمس الى نهاية حزيران المقبل موعد توقيع التفاهم النهائي، فإنّ كلاماً آخر سيسود في المرحلة القريبة المقبلة.
فالتزامات إيران لا تقف أمام حدود سياستها النووية وبرامجها التقنية فحسب، لكنّها ستنعكس على توجهاتها الدولية كافة وفق مسودّة تفاهم لا تزال غامضة على اللبنانيين وأبناء المنطقة في انتظار استكشافها، وخصوصاً في ما يتصِل بحجم النفود الذي يمكن أن تتمتّع به ايران وبقية الأطراف في المستقبل سواء في الخليج العربي او في منطقة الشرق الأوسط.
لذلك، ثمّة مَن يتوقع حلحلة ما في الكثير من أوجه الأزمات، فالمواقف البريطانية والفرنسية والأميركية منها تحدّثت عن دور إيراني مساعد لتطويق أزمات دولية عدة. وتوقعت أن يكون دورها إيجابياً، ما يعني أننا امام إعادة توزيع للأدوار والأحجام في آن، فتأتي ترجمتها تراجعاً للكثير من مشاريعها وطموحاتها في مناطق أو توسعاً إضافياً في أخرى.
لكن، وفي المقابل، فقد دعت مصادر ديبلوماسية غربية الى التريّث في تحديد مستقبل التطورات. فأمام الإدارة الإيرانية والدول الأخرى المعنية بالتفاهم مهمات داخلية لتسويقه، إذ إنّ المواقف السلبية من التفاهم التي أعلنت من الكونغرس ورئيسه المعارض اتّهمت الرئيس باراك أوباما وفريقه بالخروج عن ثوابت كثيرة، ما يُبشّر بموجة جديدة من النقاش الحاد بين البيت الأبيض والمؤسسات الأخرى.
وكما في واشنطن كذلك في طهران، فقد نقلت تقارير ديبلوماسية من هناك بداية موجة من الانتقادات عَبّرت عنها وسائل إعلام معارضة للتفاهم، إذ استقبلت زوجات شهداء الخبراء النوويين الذين استشهدوا في سنوات سابقة وآباءهم، للحديث عمّا سَمّوه تنازلات ايرانية كبيرة ومؤلمة أحبطتهم وجعلتهم يقدّرون أنّ شهادة أبنائهم قد تكون ذهبت هدراً.
وعليه، فإنّ الدعوة الى التريّث قبل إطلاق العنان لموجات من الترحيب والانتقاد قد تكون مفيدة الى أن يظهر الخيط الأبيض من الأسود قبل أن تغرق الأوساط السياسية في لبنان في وحول التناقضات ممّا هو غامض أو لم يَرتسِم بعد. فهل هناك مَن يتريّث؟ أم انّ اللبنانيّين قد اعتادوا الانقسام ولن يغيّروا من عاداتهم؟!