IMLebanon

سيناريوهات التغيير في إيران ونهاية نظام الملالي

 

على الرغم من التهديدات التي يطلقها قادة النظام الإيراني، فإنه لا يوجد أحد، ما عدا ساسة طهران المتوهمين، لديه أدنى شك في أنه بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، بدأ العد التنازلي لسقوط نظام الملالي.

لكن ما هو غير واضح ومن الصعوبة التنبؤ به هو توقيت هذا السقوط من خلال اتساع الاحتجاجات الشعبية لكي تصبح انتفاضة عارمة تزيح النظام وتقلعه من جذوره.

كما ازدادت التكهنات حول بداية النهاية وسبل تسريع عملية إسقاط النظام؛ حيث بدأت تساؤلات من قبيل: هل ستكون الانتفاضة عنيفة، أم إن التغيير سيحدث على طريقة الثورات المخملية، أم على نمط ثورات الربيع العربي؟

هناك من يرى أنها قد تكون على نمط الثورات الكلاسيكية مثل الثورة البلشفية، أو حتى تكرار الثورة الإيرانية عام 1979 التي شارك فيها جميع شرائح المجتمع الإيراني؛ من العمال والفلاحين إلى تجار البازار إلى القوميات والنساء والأقليات الدينية والعرقية.

لكن من المؤكد أن لعبة الإصلاحيين انتهت في إيران مع انتهاء التيار الإصلاحي بوصفه قوة مؤثرة، ولذا فإن تكرار سيناريو «الحركة الخضراء» عام 2009 أصبح بعيد المنال، حيث خدع قادة الحركات الاحتجاجية الناس ودفعوهم نحو الصمت ودعوا الجماهير المنتفضة إلى الذهاب إلى بيوتهم، وأنهوا بذلك استمرارية الحراك.

لكن الآن الوضع مختلف، خصوصاً بعد الانتفاضة الشعبية الأخيرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وحتى احتجاجات كازرون في محافظة فارس أخيراً، وقبلها الاحتجاجات في إقليمي الأحواز وكردستان، أثبتت أن الناس تجاوزوا «الحركة الخضراء» التي بقيت في طهران لأن الإصلاحيين في المركز لم يحظوا بدعم الشعوب غير الفارسية في مناطق القوميات في الأطراف.

كما أن الاحتجاجات هذه المرة شملت فئات الشعب كافة، واتسعت جغرافياً في كل أنحاء البلاد، وبشكل خاص بين أبناء القوميات المهمشة؛ من بلوشستان إلى أذربيجان إلى كردستان إلى الأحواز وتركمانستان؛ إلى مناطق جيلان ومازندران؛ إلى المناطق الفارسية في مشهد ويزد وشيراز وطهران. وبرأيي هناك سببان لاستمرار الاحتجاجات؛ الأول تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، والثاني تصاعد الوعي القومي لدى القوميات والشعوب والأقليات غير الفارسية أكثر من أي وقت مضى. ومن الواضح أن أقاليم القوميات المهمشة تشمل مناطق واسعة من إيران، ولذا يصعب قمعها جميعاً في آن واحد إذا ما انتفضت كلها جميعاً في التوقيت نفسه؛ حيث لا يملك النظام القدرة على الانتشار والسيطرة على كل هذه الأماكن في وقت واحد؛ لا عسكرياً ولا لوجيستياً.

وبناء على ما سبق، فسوف تكون الثورة الشاملة واستمراريتها بدءاً من الاحتجاجات والإضرابات وصولاً إلى العصيان المدني وتنظيم المظاهرات السلمية بشكل يومي، هي السيناريو الأكثر ترجيحاً خلال المرحلة المقبلة. لكن استخدام العنف المفرط من قبل النظام وأجهزته القمعية متوقع أيضاً، وقد يقوم بقتل المتظاهرين بالجملة. لكن ما الخطوات اللازمة لتجنب ذلك؟ وكيف يمكن تفادي مصير ثورات الربيع العربي؟

بعد مناقشاتي مع الثوريين المصريين السابقين خلال زيارتي للقاهرة قبل بضعة أشهر، حاولت مقارنة الحالتين الإيرانية والمصرية، حيث هناك تشابهات كبيرة، خصوصاً في ما يتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الحراك الشعبي، وعدم وجود أحزاب سياسية قوية، وغياب قيادة واضحة وموحدة تقود الحراك ميدانياً. ومن خلال النقاشات مع الشباب المصري توصلت إلى استنتاج بأن المرحلة الحالية في إيران تتجه نحو المسار المصري. وبالطبع هناك بعض الفروقات؛ حيث إن الثورة الإيرانية المستقبلية سينقسم حولها المؤيدون والمعارضون بشكل أكبر على الصعيد الدولي… الأوروبيون والأميركيون سوف يؤيدون بالطبع، والمعارضون لقيام الثورة سيكون في طليعتهم روسيا والصين.

لكن مع هذا، ستكون هناك تعقيدات جيوسياسية وجيواستراتيجية. كما أن انسحاب الرئيس ترمب من الصفقة النووية الإيرانية، وضع الأوروبيين في وضع صعب جداً.

خلال العام الماضي كنت عضواً في وفد رفيع المستوى من المعارضة الإيرانية للقاء قادة الاتحاد الأوروبي. كان للقاء غرضان؛ الأول إقناع القادة الأوروبيين بأن الأوضاع الإيرانية متفجرة من الداخل ويجب على أوروبا ألا تستمر بدعم النظام الإيراني. والثاني كان دعم معارضة موحدة للإطاحة بالنظام.

وكما هو متوقع، كانت الأجوبة بأن القيادة الإيرانية قابلة للإصلاح (وهذا ما يروّج له اللوبي الإيراني) وبالإمكان التطبيع التدريجي وتطوير قيادة معتدلة، والتعامل معها، بحسب الأوروبيين الذين يرون أن إيران أصبحت سوقاً ضخمة للسلع والخدمات والمنتجات الأوروبية وتوفر لهم عشرات الآلاف من فرص العمل في دول مثل ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا.

جادل بعض هؤلاء القادة الذين ينحازون لليسار بأن إيران كانت تاريخياً سوقاً أميركية وقد فقدتها، وأن الأوروبيين ملأوا الفراغ ويريدون التمسك بها، وهذا كان الموقف العلني طبعاً. لكن بعضهم اعترف بأنهم لا يحبون النظام، ولكنهم يريدون التعامل الاقتصادي معه. كما طلب البعض منهم مواصلة الحوار عبر القنوات الخاصة وغير الرسمية.

وخلال الأسبوع الماضي ومنذ خطاب ترمب، اتصلت ببعض قادة الأحزاب السياسية في أوروبا واستطلعت ردود فعلهم. وكانت أغلب إجاباتهم بأنهم ما زالوا يريدون التعامل الاقتصادي مع إيران، لكنهم يؤيدون الضغوط السياسية على طهران لتغيير سلوكها في المنطقة. كما أبدوا استعدادهم لفتح نوع من الحوار مع المعارضة الإيرانية بحيث تشمل كل الفئات والقوميات والتكتلات السياسية ومكونات المجتمع الإيراني من أجل بحث موضوع البديل للنظام.

كان من الواضح أنهم يبحثون عن أصدقاء في النظام المستقبلي لإيران، أو أنهم يريدون أن يكون لهم تأثير على تكوين النظام السياسي في مستقبل إيران على الأقل. وبدا لي واضحاً أن تلك الإجابات والتوجهات تعكس تقارير سفاراتهم في طهران.

ورغم أن هذه أخبار مهمة، فإنني أرى أن القوى الإقليمية الأكثر تعرضاً لسياسات إيران التخريبية، هي الأولى بأن يكون لها هذا الدور وهذا التأثير، وتستطيع أن تقوم بعملية توحيد مجموعات المعارضة الإيرانية الحقيقية، وهذا سيكون له تأثير أكبر وأعمق.

وتستطيع القوى الإقليمية أن تقوم، على الأقل، بالتواصل مع تيارات المعارضة لكسب رؤية واضحة عن الحراك الشعبي الداخلي كما تفعل سفارات الاتحاد الأوروبي في طهران، التي تجمع المعلومات من مختلف الأطياف وتزود بها حكوماتها، وذلك من خلال زيادة الموظفين الخبراء والمستشارين.

وللتدليل على أهمية معرفة الوضع الداخلي والحراك الشعبي، أريد أن أعود إلى الوضع الذي كان سائداً أثناء الثورة التي أطاحت بالشاه في 11 فبراير (شباط) 1979، حيث كنت في طهران مع رفاقي لرصد الأوضاع ومراقبتها من جامعة طهران التي كانت بمثابة مركز رسمي لرصد أوضاع الثورة. في هذا اليوم سقط نظام الشاه بعد أن استولى الثوار على مراكز الشرطة والمطار ومبنى الإذاعة والتلفزيون. وبعد الظهر سلم الحرس الملكي آخر منطقة يسيطر عليها في منطقة لويزان بشمال طهران. وهكذا سقطت العاصمة. ومن هنا بدأت المهمة الأخرى لضمان الانتقال السياسي السلمي في المدن المتبقية من النظام الملكي إلى النظام الثوري. وهكذا بدأت رحلتي إلى مدينتي عبادان حيث شركة النفط ونبض الاقتصاد الإيراني. وبعد وصولي إلى هناك توجهت أنا وبعض الزملاء مباشرة إلى مقر مخابرات الشاه (السافاك) لمصادرة وثائقه، وهو المكان الذي تم اعتقالي فيه عدة مرات قبل نقلي إلى سجن «إيفين» في طهران بعامين قبل الثورة. لكننا اندهشنا عندما وجدنا إحدى المنظمات المنافسة جاءت قبلنا وقد أخذت جميع الوثائق. ثم ذهبنا إلى مقر الشرطة في شارع الأميري ووجدناه قد تم الاستيلاء عليه من قبل منظمة أخرى. بعدها ذهبنا إلى بعض القواعد العسكرية وقوات البحرية ومحطة الإذاعة وغيرها فوجدناها بأيدي منظمات سياسية مختلفة ولم ينسق بعضها مع بعض ولا حتى مع طهران أيضاً.

في ظل هذه الفوضى كان الاتحاد السوفياتي أكثر من يشرف على الوضع الإيراني بفضل المنظمات والأحزاب اليسارية الإيرانية الموالية له.

الآن الوضع قد يكون مشابهاً. لا أحد يعرف كم سيستغرق الوقت للإطاحة بنظام الملالي وكيف ستكون الشرارة. في حالة الشاه، بدأت المظاهرات في مدن مختلفة وفرض النظام الحكم العسكري في 8 سبتمبر (أيلول) 1978 وانتهى في 11 فبراير 1979؛ أي استمر نحو 150 يوماً. لكن هذه المرة يجب أن تكون قوى المعارضة أكثر استعداداً وتوحداً، وعلى القوى الإقليمية والمجتمع الدولي مساندة الشعب الإيراني بكل مكوناته من أجل منع حدوث قمع من جانب نظام الملالي أو حالة فوضي بعدهم، وعليهم أن يساندوا الإيرانيين في بناء نظام ديمقراطي تعددي يحترم حقوق شعوبه، ويكون مسالماً مع جيرانه، وعضواً فعالاً وإيجابياً في المجتمع الدولي.