لقاء الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية لا يزال يتفاعل. اتصالات مكثفة بين معراب والرابية، وبين باريس ومعراب. في وقت تتابع فيه الأوساط الديبلوماسية مصير التسوية، بين رفض سعودي وفرنسي، وتأييد أميركي
لا يزال اللقاء بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الحدث الأساسي، ولا سيما لجهة ما أحدثه من ارتدادات داخل فريقي 8 و14 آذار. هذا الخرق بدا، في لحظاته الأولى، وكأنه من باب التهويل على الفريقين من خلال تكبير حجم الحدث والتعاطي معه، وكأن التسوية الرئاسية حصلت بمجرد أن التقى الرجلان، اللذان سبق أن التقيا عام 2010 حين زار الحريري بنشعي رئيساً للحكومة، بعد خصومة طويلة.
ورغم أن البعض تعامل مع اللقاء بوصفه استدراجاً من الحريري للقادة الموارنة الأربعة إلى ملعبه وجعله مقرراً وحكماً لاختيار الرئيس من بينهم، إلا أن الساعات الأخيرة أظهرت أن ثمة جدية في صياغة قالب للحدث وتلمس بدايته ونهايته.
في الوقائع التي تسردها أوساط قوى 14 آذار، بات يمكن القول إن ما يحدث بالنسبة إليها أمر جدي، لأن القصة ليست بنت ساعتها، بل بدأت قبل شهرين حين زار النائب السابق غطاس خوري بنشعي. تتمة القصة أن المشاورات التي بدأت حينها جرت بموافقة السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل الذي أعطى مباركة أميركية لهذا المسعى الذي تبلور منذ ذلك الحين، بتسوية تأتي بفرنجية رئيساً والحريري رئيساً للحكومة.
غادر هيل بيروت، إلا أن الاتصالات استمرت، برضى أميركي، بحسب الرواية المذكورة، إلى أن نضجت ظروفها ومكان انعقادها برضى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. وتضيف الرواية أن حديث التسوية شمل قانون الانتخاب، أي قانون 1960، الذي يرضي الحريري وجنبلاط ولا يعترض عليه بري، وسبق للمسيحيين أن وافقوا عليه في الدوحة. كذلك شملت توزيع الحصص حكومياً، علماً بأن الحريري يريد إرضاء حليفه، أي رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وفرنجية يريد إرضاء العماد ميشال عون.
ما إن شاع خبر اللقاء وتأكد حصوله لمدة تزيد على أربع ساعات في منزل رجل الأعمال جيلبير الشاغوري، حتى بدأت الأوساط الديبلوماسية في بيروت تتابعه.
ما وصل إلى هذه الأوساط من مواقف، هو أن باريس غير معنية بهذه التسوية، لا بل إنها تتحفظ عنها إلى حد الرفض، ولا سيما أن فرنسا لا تزال على موقفها من بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه، فكيف يمكن المطالبة برحيل الأسد والإتيان بحليفه في لبنان رئيساً؟ أما السعودية، فيجزم متصلون بدوائرها الرسمية بأنها لم تطلع على اللقاء، وليست معنية بأي تسوية.
كيف ارتدّ اللقاء في بيروت بعد أيام على انعقاده؟
المفارقة أن الأوساط السياسية بدأت منذ أمس عملية «البوانتاج» واحتساب الأصوات التي يمكن أن توصل فرنجية إلى الرئاسة إذا ما سارت التسوية. من يصوّت لفرنجية ومن يقاطع الجلسة ومن يحضرها. التفاصيل التي بدأت الأوساط السياسية الحديث عنها توحي وكأن الانتخابات حاصلة حتماً، علماً بأن تيار المستقبل والكتائب أظهرا أمس أهمية تقدم الملف الرئاسي، في وقت ترددت فيه معلومات عن أن الكتائب وافق على تسوية باريس.
وفيما تكثفت الاتصالات، في الساعات الأخيرة، على خط الرابية ــــ الضاحية، نشطت أيضاً الاتصالات على خط باريس ــــ معراب. إذ إن الحريري يراهن على موقف ايجابي لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع من حصول انتخابات رئاسية في وقت قريب، والموافقة على هذه التسوية. علماً أن الحريري يدرك تماماً، منذ أن زار جعجع السعودية، أنه أصبح للأخير موقع متقدم في دوائرها الملكية، وأن المسؤولين السعوديين سبق أن أكدوا أمام جعجع أكثر من مرة أن الرياض لا يمكن أن تكون مع تسوية من دون رضى الأطراف المسيحيين الأساسيين، ولا سيما جعجع بوصفه حليفاً لها. ومن المفترض أن يكون الحريري يدرك أيضاً أن جعجع لا يمكن أن يقبل بالتسوية التي يعمل عليها، ولن يقبل بفرنجية رئيساً للجمهورية.
أما على خط معراب ــــ الرابية التي كانت أول من أصابتها سهام اللقاء الباريسي، فقد تكثفت الاتصالات بين عون وجعجع، كما بين موفدي الطرفين، وينتظر أن تشهد مزيداً من الاتصالات. علماً أن موفد جعجع إلى الرابية ملحم الرياشي زار عون مساء الأحد في حضور الوزير جبران باسيل والنائب إبراهيم كنعان. وعلمت الأخبار أن «من المحتمل أن يلتقي عون وجعجع قريباً لتقييم الوضع المسيحي الداخلي وتنسيق الخطوات المشتركة بينهما».
لكن لقاء باريس لم ينته عند الأطراف المسيحيين، ومنهم المستقلون كالنائبين بطرس حرب ودوري شمعون. فما يحصل في تيار المستقبل أشد تعبيراً عن الصدى الذي أحدثه اللقاء. إذ بدا منذ اللحظة الأولى أن المستقبل ينشطر تلقائياً شطرين: واحد يتمثل بالخط التقليدي الذي رفض التسوية ويعبر عنه الرئيس فؤاد السنيورة والوزير أشرف ريفي والنائب أحمد فتفت. أما الثاني فيعبّر عنه الوزير نهاد المشنوق ومجموعة من النواب والمستشارين الذين بدأوا منذ يوم أمس يدوّرون الزوايا في حديثهم عن فرنجية وعن موافقتهم على التسوية.
أما ختام المشهد السياسي أمس، فكان عبارة عن قراءة لبعض الأوساط السياسية حول احتمال أن تكون تسوية باريس غير نهائية، بل ممراً لحرق كل الشخصيات الأساسية المرشحة، وأولها العماد ميشال عون، ما يعني أن يكون الهدف التضحية بجميع المرشحين، بمن فيهم فرنجية، لمصلحة تسوية تأتي بمرشح مثل النائب جان عبيد، وهو اسم يوافق عليه بري وجنبلاط بطبيعة الحال، وشخصيات في المستقبل من بينها السنيورة والمشنوق.