لا شيء في مسار الفراغ الرئاسي كان يوحي بتحوله السريع الى النهاية، حلم المسيحيين على وجه التحديد بدا في الاشهر الاخيرة خياليا، وتحقيقه شبه مستحيل. لن يعود قصر بعبدا مركز القرار الاول في الدولة، او على الاقل هذا ما كان يشاع. اختصارا يمكن القول ان شريحة واسعة منهم فقدت الثقة تماما بمستقبلها الوطني بعد سقطات سياسية ودستورية وحتى تأسيسية للمفهوم اللبناني الوطني الفريد الذي كرسه اتفاق الطائف منهيا الحرب الاهلية ومطلقا ورشة بناء الدولة على كافة مستوياتها وبمشاركة جميع اطيافها ومشددا على مبدأ المناصفة. تحسسوا عن قرب ان الفراغ الرئاسي هو في الاصل اكثر تعقيدا وخطورة من مجرد ملء المركز بحد ذاته، بحيث ان اطالته لفترة زمنية اكثر ستقودهم تدريجيا الى صيغة دستورية جديدة على حساب تمثيلهم، بدأ الترويج لها في الفترة الاخيرة تحت عنوان «مؤتمر تأسيسي» جديد.
صورة سوداوية سيطرت تماما على المشهد المسيحي، صحيح ان حالهم من حال الرئاسة، وصحيح ان شبح الفراغ احتل مراكز القرار كلها، محكما اياها بالتمديدات المتتالية تفاديا لفراغات اخرى خاصة على المستوى الامني. هنا يصبح الكلام عن مبادرة دعم الرئيس سعد الحريري لترشيح النائب ميشال عون اساس الحدث المنتظر. تؤكد الاجواء الشعبية عشية جلسة الانتخاب ان المركز الرئاسي لم يكن ليبصر النور بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ لولا هذه الخطوة. خطوة اعطت الامل للناس وكرست الحريري كزعيم لبناني استثنائي اثبت بأفعاله الملموسة حرصه على حقوق الطائفة. لكن هذه المرة، يمكن لبعض الاحزاب المسيحية المعارضة لانتخاب عون ان تتطرق الى الصورة الاجمالية التي ستدخل عون الى قصر بعبدا بالشرح التالي: «النائب ميشال عون مرشح 8 آذار لرئاسة الجمهورية والذي تمسك بترشيحه «حزب الله» تغطية لرغبته باطالة الفراغ قدر المستطاع، غدا سينتخب رئيسا بأصوات غالبية قوى 14 آذار، فيما قوى 8 آذار ما عدا حزب الله ستقسم اصواتها ما بين الورقة البيضاء واسم النائب سليمان فرنجية».
واقعة الانتخاب هذه ستحتم مشهدا سياسيا جديدا، وتظهر حقيقة من يصر على ان تكون مصلحة لبنان ومؤسساته من اولى الاولويات ومن اجلها مستعد للتضحية وبين من يضع مصلحته الشخصية قبل اي شيء آخر مهما علت اهميته وخطورته. هذا الشرح لن يعكر مزاج الجمهور المسيحي المنصب اهتمامه بالدرجة الاولى على ملء الفراغ، والذي بات ينعكس تفاؤلا واضحا بالخطوة بانتظار إتمام المهمة وافتتاح عهد جديد يعلّق عليه آمالا كبيرة وخصوصا الاقتصادية منها. وعلى الرغم من قرار بعض الاحزاب الذي اتخذ بعدم انتخاب عون، فان رضا الشارع تخطى هذه القرارات باعتبار ان تأييد خطوة ملء الشغور هو اساس الحل الذي سيفتح من بعده باب التفاهمات على توزيع الادوار والحصص في العهد الجديد. وتماشيا مع موجة الاشارات الايجابية التي تنعكس مباشرة على القواعد الشعبية، فقد التقط شارعا «الكتائب» و«المردة» الرسائل الواضحة من القيادات عن انه على الرغم من المعارضة العلنية لانتخاب عون، الا انهما لم يعمدا الى مقاطعة او تعطيل جلسة الانتخاب، وسيحضران جلسة الاثنين وسيكون التصويت بورقة بيضاء عملا بالمبدأ الديمقراطي، مما يدل على الحاجة الملحة الى ملء الشغور بصرف النظر عن معارضة وصول شخص العماد ميشال عون، اضافة الى طلب النائب سليمان فرنجية العلني من عين التينة من كل النواب الداعمين له «التصويت بورقة بيضاء بدل وضع اسمه»، مما يشيع اجواء اقل تشنجا عشية جلسة الانتخاب.
هل باتت عملية ملء مركز رئاسة الجمهورية حاجة شعبية ومسيحية ملحة الى درجة توحيد الصفوف بمعزل عن القرارات السياسية لبعض القيادات بدعم عون او عدمه؟ الجواب البديهي هو نعم، حمل الرئيس سعد الحريري مخاطرة سياسية خطيرة، مبادرة رئاسية «تعيد الحق الى أصحابه» في لحظة سياسية دقيقة ومصيرية، عرف كيف يكسر ارادة حزب الله باطالة الفراغ مهما كانت النتائج، وكيف يصنع لحظة رئاسية تاريخية تخطّى انتظارها قدرة المسيحيين واللبنانيين على التحمّل. عند زيارة الرئيس الحريري الأخيرة للبطريرك بشارة الراعي في بكركي، توجه اليه الراعي بوضوح قائلاً «اعطيت الامل للشعب اللبناني والرئاسة كانت بحاجة الى تدخل الهي». يترجم كلام بطريرك الموارنة على الارض على وقع عد الساعات الرئاسية العكسي، من التململ الايجابي في كافة الجامعات مواكبة للحدث المنتظر وصولا الى ملء البرادات في المركز الرئيسي للتيار «الوطني الحر» في ميرنا الشالوحي بزجاجات الشامبانيا تحضيرا لاحتفال كوادر التيار بعد انتهاء الجلسة، وما بينهما من تحركات شعبية عارمة تبدأ منذ ليل الاحد وتمتد حتى ليل الاثنين، كما ستشهد ساحات العديد من المناطق المسيحية من الشمال الى الجنوب تجمعات شعبية تعبيرا عن فرحة انتخاب رئيس الجمهورية، الاعلام اللبنانية علّقت على كافة الطرقات الرئيسية والفرعية، ساحة الشهداء على أتمّ الاستعداد لاستقبال حفل فني ليلا احتفالا بالحدث، الذي يلفت منظموه ان الدعوة عامة لكل اللبنانيين وليس لفئة منهم «العماد ميشال عون هو رئيس التيار الوطني الحر وفي اللحظة التي سيتوج فيها رئيسا للجمهورية سيتحول الى أب لكل اللبنانيين»، على ما يؤكد احد منسقي «التيار»، مشددا على ان «التيار معني فقط بتوزيع الاعلام اللبنانية على كافة محازبيه وليس الاعلام البرتقالية لان الحدث وطني قبل ان يكون حزبياً حتى لو كنا المعنيين مباشرة به».