IMLebanon

المشهد من الخارج ومعركة الملاذ الدافئ

كما روما من فوق غير روما من تحت، كذلك بيروت من خارج غير بيروت من الداخل، والمشهد اللبناني سواء من أوروبا أو من دول الخليج، غيره من لبنان، وتسقُّط الأخبار ومتابعتها من الخارج يكتسب بُعداً آخر مختلف عن متابعتها من الداخل.

***

أتاحت لي عطلة عيد الأضحى المبارك، وما تضمَّنته من عطلة الصحافة، أن أسافر لأيام معدودة إلى إحدى الدول الأوروبية للإستراحة قليلاً من متاعب مهنة البحث عن المتاعب، ولأستكشف من الخارج أحوال الداخل وما إذا كانت الصورة هي ذاتها. لم تكن أيام السفر عطلةً بكلِّ معنى الكلمة بل حفلت بلقاءات وإتصالات توصَّلتُ من خلالها إلى استنتاجات وخلاصات، أقلُّ ما يُقال فيها إنَّها صادمة ومرعبة:

الخلاصة الأبرز أنَّ كلَّ ما نعتبره حيوياً وضرورياً وملحاً في الداخل، والذي يقع في خانة البنى التحتية، من ماء وكهرباء وأقساط وسلسلة رتب ورواتب، ليست في حسابات أحد من دول الخارج ولا هي من اهتماماتهم، إنَّ كلَّ اهتماماتهم في البلد ينطلق من كونه جزءاً من جغرافيا الحرب الدائرة في المنطقة، بين التحالف الدولي الذي يضمُّ أربعين دولة وبين تنظيم داعش وجبهة النصرة، ويُذكَر هذا البلد على الألسن أو يغيب بمقدار ذكره في الحرب الدائرة.

***

بهذا المعنى ذُكِر لبنان كثيراً في اليومين الأخيرين، أثناء وبعد المعركة التي دارت في جرود بريتال، من الزوايا التالية:

كلُّ المخاوِف التي تحدَّثت عن معركة على الحدود، كانت مخاوفٌ في محلِّها، فالمعركة التي اندلعت في جرود بريتال كانت نوعية بكلِّ المقاييس، فهي وقعت بين جبهة النصرة من جهة وحزب الله من جهة ثانية، ولم يكن الجيش اللبناني طرفاً فيها لأنَّ لا مواقع ولا مراكز له في تلك المنطقة، فهي وقعت على الجانب السوري للحدود ومن غير الطبيعي أن يكون للجيش اللبناني مراكز خارج أرضه.

النقطة التي دارت حولها المعارك هي استراتيجية بامتياز حيث تقع على تلة، وتَمَركُزُ حزب الله فيها نابعٌ من اعتبارات حماية الأهالي في بريتال وغيرها من قرى وبلدات البقاع الشمالي.

هدف جبهة النصرة من تلك المعارك فتح ثغرة بين الجهة السورية من الحدود والجهة اللبنانية، خصوصاً بعدما أقفل الجيش اللبناني أي منافذ من جهة عرسال.

***

أما الهدف الأكبر من المعركة التي وقعت، فهو ما بعدها وليست هي في حدِّ ذاتها، فالتي وقعت ليست سوى جس نبض تمهيداً للمعركة الأكبر التي تتمثَّل في إيجاد ملاذ دافئ للمسلَّحين من النصرة، فهؤلاء لن يستطيعوا البقاء في العراء في تلك المرتفعات حيث البرد قارس والثلوج تصمد في تلك المنطقة، فمتى سيُعيدون الكرة؟

ومتى أوان ما سيُصطَلَح على تسميته معركة الملاذ الدافئ؟

***

تلك هي الهواجس من الخارج في اتجاه الداخل، أما سائر الملفّات من إنتخابات رئاسية وغيرها، فيبدو أنَّ معركة الرئاسة خارجية بإمتياز وكذلك وتحديدا فرنسا لها دور كبير وفعّال في هذه الظروف.

تلك هي أجواء الخارج، ونستفيض غدا بعد لقاء الحريري هولاند.