IMLebanon

المشهد «البلدي» رسم ميزان النفوذ الطائفي

تكاد تكون المرة الاولى التي يجري فيها استحقاق انتخابي تخلو أجواؤه من الاتهامات المباشرة للسلطة بالتدخل واستخدام النفوذ الرسمي لدعم لوائح ومرشحين في اي من المناطق التي شهدت انتخابات بلدية واختيارية في العاصمة والبقاع يوم الاحد الماضي. وقد أفرز هذا الواقع الجديد معطيات سياسية مختلفة عن كل المعطيات السابقة التي كانت تحكم العمليات الانتخابية في المراحل السابقة، فما الذي تغير؟ عن هذا السؤال تقول أوساط نيابية مخضرمة ان الهامش الواسع من الحرية في المنافسة الذي ظهر في المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية، أعاد للديموقراطية اعتبارها انطلاقاً من ضيق الخيارات أمام القوى السياسية في الدخول على مسرح التأثير البلدي، ذلك أن المجال هو للعوامل العائلية والعشائرية والمصلحية الضيقة، كونها الوحيدة التي تمكنت من التأثير في العملية الإنتخابية يوم الأحد الماضي، وميّزت هذه الأوساط بين الإستحقاق الإنتخابي البلدي وسائر الإستحقاقات السياسية، موضحة أن الظروف التي تحكم أي استحقاق على صعيد التسويات السياسية قد غابت في العملية الإنتخابية البلدية، إذ أن ظاهرة المحادل السياسية التي تعوّدها الشارع في الإنتخابات النيابية لم تظهر في أكثر من منطقة، واقتصرت على بلدات معينة وقليلة العدد. وأشارت إلى أن تدني نسبة المقترعين، ولا سيما في العاصمة بيروت قد شكّل المؤشّر على حال الإنقسام التي يعيشها الشارع بين اتجاهات الناخبين، وإرادة السياسيين الذين تكتّلوا رغم خلافاتهم، واتحدوا في الإختبار البلدي من دون أن تكون لهذه التسويات «المتأخّرة» أي انعكاس فعلي في أوساط الرأي العام.

ومن هنا، فإن الأرقام التي بدأت تتظهّر بعد الساعات الأولى على إقفال صناديق الإقتراع، قد أظهرت، وبحسب الأوساط، أن ميول الشارع غير متماهية مع الإصطفافات السياسية، بصرف النظر عن طبيعة هذه الإصطفافات، وذلك بالنسبة لفريقي 8 و 14 آذار. وأكدت أن لهذا الواقع دلالات عدة، أبرزها أن القوى السياسية والسلطة بشكل خاص لم تعد قادرة على فرض أية معادلات إنتخابية، حيث أن الخلافات الطارئة التي سُجلت في الساعات الماضية بين الحلفاء والخصوم السياسيين على حد سواء، قد رسمت في الشارع خطوط تماس ما بين الطبقة السياسية وما بين الناخبين. وأضافت أن العوامل السياسية المتحكمة في المؤسّسات وفي الواقع العام، والتي أدّت إلى حال التعطيل من مستوى رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب، قد باتت اليوم عاجزة عن خرق مفهوم المواطنين عموماً للإستحقاقات الديمقراطية، إذ بدا أن الشارع في مكان والقوى السياسية في مكان آخر.

من جهة أخرى، اعتبرت الأوساط النيابية أن اختلاف المشهد في بلدات خارج العاصمة في البقاع والهرمل، لا يعارض الإنطباع الذي تكوّن حول خيارات جديدة مستقلة لدى الرأي العام، وإن كانت سقوف هذه الخيارات قد بدت مضبوطة، وذلك في سياق نسبة الإقتراع المرتفعة التي شهدتها البلدات حيث حضرت ماكينات إنتخابية تابعة لأحزاب بارزة.

وخلصت الأوساط نفسها، إلى أن النتائج الأولية للمرحلة الإنتخابية البلدية قد حدّدت معادلات سياسية جديدة على الساحة الداخلية، إنطلاقاً من المجالس المحلية التي تكوّنت في العاصمة والبقاع، وسيكون لهذه المعادلات التأثير الأكبر على مسار المؤسّسات الدستورية لجهة تحديد روزنامة عمل جديدة، تدفع نحو مقاربة الإستحقاقات بطريقة مختلفة عن السابق.