Site icon IMLebanon

أحداث «الرينغ»: خشية من استعادة مشهد الحرب

 

مع انبلاج صباح الإثنين في منطقة الرينغ ومحيطها، بدا المشهد محزنا ومثيرا للغضب في آن.

 

دفعت المنطقة ثمنا مريرا لهجمة عدوانية قام بها قاطنو مناطق مجاورة ردا على قطع طريق الرينغ من قبل منتفضي الحراك المدني.

 

هي ليست المرة الاولى التي يلجأ فيها ناشطو الحراك الى محاولة شل المنطقة، وهو موضوع خلافي في الأصل بين مجموعات الحراك التي تحتفظ معظمها في تلك المنطقة بموقف معارض لهذا الأمر.

 

لكن بعض تلك المجموعات أصرت على قطع الطريق في تلك المنطقة، قرب برج الغزال، بسبب ما تعتبره تعنتا من قبل السلطة ومحاولة لشراء الوقت وتمييع الأمور من دون الاستجابة الى مطالب الحراك، وأولها يتمثل في قيام رئيس الجمهورية ميشال عون بالدعوة سريعا الى استشارات نيابية لاختيار الرئيس الجديد للحكومة.

 

هذه «الدعسة الناقصة» من قبل الحراك، قدمت ذريعة ذهبية لمترصديه من مناصري الثنائي حركة أمل وحزب الله، الذين قدموا مثالا سيئا جديدا بعد مشهد «غزوة» ساحتي الشهداء ورياض الصلح وتدميرهما.

 

والواقع ان مهاجمي قاطعي الطريق مهدوا لغزوتهم الجديدة كما في المرة الماضية. أرسلوا مبعوثين لجس نبض ناشطي الحراك قبل نحو ساعتين من الهجوم، ومن ثم افتعلوا ذريعة التحرش بهم لمحاولة الانقضاض على المعتصمين.

 

سرعان ما تحولت ساحة الرينغ الى خط تماس ذكّر بزمن الحرب الاهلية وهو ما يخشاه كثيرون ويؤكدون على رفضه. لكن ناشطي الحراك ينتقدون تصوير الأمر على هذه الشاكلة، هم يقولون إن القضية تتمحور حول ثورة جامعة للطوائف والمذاهب، تواجه المتضررين من تعرية نظام فاسد وفاشل.

 

أما المهاجمون، فالأمر يتمثل في التعدي على كرامة رموزهم السياسية، لكن تنظيم هؤلاء كان واضحا وأشّرت أعدادهم الغفيرة التي تعززت مع منتصف الليل، وعدائيتهم تجاه سكان منطقتي الصيفي ومونو، لما هو مقبل ربما من نية للاستمرار في استهداف الحراك وأذيته وافتعال مشكلة كبيرة تدفع بالحراك الى إلغاء نفسه.

 

 

حتى الأملاك الخاصة لم تسلم

 

وجوم.. وسلمية

 

على أن خطورة الموضوع تمثلت في استهداف اعتبره كثيرون أهليا لمنطقتين مسيحيتين بغالبيتهما.

 

ففي ساعات الفجر، تمكن المهاجمون من خداع عناصر الجيش اللبناني والقوى الامنية، وتسربوا الى أحياء آمنة في منطقة الصيفي، وهي للمناسبة، تحتفظ بتنوع مقبول مسيحي ومسلم، وهي منطقة ذات رمزية كونها تشكل جزءا من نطاق سوليدير، وهو ما يدركه المعتدون الذين شرعوا في تخريب المكان الذي يعرفونه تماماً، كما يشير بعض سكان المنطقة.

 

ويكشف مالك إيطالي لمقهى تم تكسير واجهته ونهب بعض ممتلكاته، رفض الكشف عن إسمه، عن صدمته مما جرى لمحله. يقول في لغته الإنجليزية المرنة، إنه لم يكن معنيا بما يجري في البلد من الناحية السياسية، وهو في الأصل، عندما قرر الاستثمار في لبنان، لم يرد التعرف على تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية التي يراها غريبة.

 

يلفت المالك وهو من مدينة أنكونا في إيطاليا، الى ان المهاجمين شرعوا في تكسير الواجهة الزجاجية للمقهى عبر حجارة ضخمة استقدموها، ومن ثم نهبوا مبلغ 400 دولار ومشروبات روحية منه، بينما وقفت القوى الأمنية عاجزة وتعرضت هي الأخرى للهجوم بالحجارة والمفرقعات.. حتى أخلت المكان!

 

ويشير بحسرة الى ما جرى لمحله، وبينما ينهمك العمال في تنظيف المكان، يلمح ردا على سؤال حول بقائه هناك، الى إمكانية إعادة النظر بالبقاء في لبنان بعد ما جرى..

 

وفي مقابل المكان، إستهدف المهاجمون حضانة للأطفال ومحالا أخرى، حتى أفرغوا ما في جعبتهم من طاقة وعادوا أدراجهم، كما يقول السكان الذين عاشوا حالة هلع واستعدوا للدفاع باللحم الحي عن عائلاتهم.

 

وبينما يطرح هؤلاء أسئلة مشروعة عن سبب غياب القوى الأمنية وتمحورها على جسر الرينغ، كان الموضوع مختلفا بالقرب منهم، في ساحة الشهداء. هناك، إقترب المهاجمون محطمين بعض الخيم الفارغة قرب مبنى العازارية، لكن تصدي الجيش وقوات مكافحة الشغب كان فعالا وسريعا.

 

وقد بدا المشهد أمس في ساحتي الشهداء ورياض الصلح غريبا عن ذلك الذي حضر أمس الأول. حالة من الوجوم أيضا خيمت على المكان الذي لم يحضر فيه سوى العشرات. ويقول أحد الإعلاميين المواكبين للحراك منذ بدئه إن الموضوع ليس غريبا وهو لا يعني ان الحراك قد انتهى، «إنه يوم الإثنين، ومن الطبيعي أن لا يزحف المتظاهرون بأعداد كبيرة الى هنا»، يقول.

 

من في المكان يؤكدون ان الثورة ستستأنف نشاطها حتما، وهي تعرضت لمطب سابق وتخطته سريعا، ذلك أن مشهد الحذر سبق ورُصد بعد غزوة ساحتي الشهداء ورياض الصلح، لكن نزول الأعداد ما لبث أن استؤنف بزخم بعدها.

 

في مونو، يستخلص الزائر مشهدا مشابها لذلك في الصيفي. شعارات سياسية على الجدران، تكسير لبعض السيارات وحرقها، هتافات وشتائم، وغياب للقوى الأمنية.

 

قرب المكتبة الشرقية التابعة لجامعة القديس يوسف، يروي السكان تفاصيل الاعتداءات على الأملاك الخاصة. هناك، تسرّب من هرب من القوى الأمنية نحو أحياء أكثر أمنا، فشرع في أعمال عنفية. وتقول فيوليت القاطنة في المنطقة، إن هدف تلك المجموعات التي اقتحمت المكان كان التخريب فقط!

 

حال فيوليت كحال غيرها في ما يعرف بشارع مونو حيث يعتبر هؤلاء أن لا ناقة لهم ولا جمل بما يحصل. هم لم يقطعوا طرقات مثلما انهم غير معنيين بفتحها بالقوة، وهم يطلبون من القادة المعنيين أن يستنكروا ما حصل وان يتنصلوا من المهاجمين، وهي إدانة لم تصدر حتى مساء أمس، وهو حال القادة الرئيسيين في البلد الذين مروا على ما حدث مرور الكرام، كما يشدد السكان.

 

ويؤكد قاطنو شارع مار يوسف في المنطقة من جهتهم، على سلميتهم وعدم انخراطهم بما يحدث، وهو حال المؤيدين للحراك أيضا، وهم أكدوا انهم تمكنوا من صد هجمات على بعض البيوت، علما بأن الأمر نفسه كاد يتكرر نزولا في منطقة الجميزة، قبل تدخل الجيش.

 

وتتمثل خطورة ما حدث في أنه تحول في بعض مشاهده الى احتراب طائفي على نمط الحرب، خاصة وأن البعض في الحراك فقد صوابه ورد بالطائفية، كما أن جموعا من حزبي القوات اللبنانية والكتائب نزلت من الأشرفية الى الرينغ، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة.

 

في كل الأحوال، يتخوف كثيرون أن لا يكون ما حدث سوى تمهيدا لما هو مقبل، لكن مهما كانت محاولات الحل، فإنه لن يكون أمنيا بالتأكيد، ذلك أن المعالجات يجب أن تتم في السياسة أولا.. وأخيرا.