Site icon IMLebanon

كواليس التفاهمات  ومتاريس الحرب

حرب سوريا تبدو كأنها تدار بنوع من التفاهمات السياسية، حيث الكواليس تحرّك أو تجمّد المتاريس. وهي بالطبع تفاهمات بين اللاعبين الاقليميين والدوليين الكبار. بعضها يقود اليه العجز عن مواجهة الطرف القوي. وبعضها الآخر تفرضه المصالح المتقاطعة في مرحلة ما، سواء كانت المصالح أمنية أم جيوسياسية، محصورة في سوريا أو عابرة للحدود الى المنطقة ثم الى المسرح الأوروبي. واللاعب الكبير الوحيد المنفتح على كل اللاعبين والقادر على دوزنة التفاهمات هو الرئيس فلاديمير بوتين صاحب الاتصال الروسي. فهو يلعب منذ سنوات، ومن قبل الانخراط المباشر في الحرب، مع الرئيس باراك أوباما ويتلاعب به، ويترك لوزير خارجيته سيرغي لافروف اكمال التلاعب بنظيره الأميركي جون كيري. وهو في تفاهم معيّن مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتفاهم محدّد مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتحالف ايران، وحوار مفتوح مع السعودية ومصر، كما مع قادة أوروبا وأبرزهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

وليس أمرا قليل الدلالات ان يخرج الوزير كيري من اجتماع دعت اليه باريس الدول العشر المسمّاة النواة الصلبة لأصدقاء سوريا ليطلب من موسكو شيئا من الرحمة في حلب. ولا بالطبع أن يرسل داعش آلاف الجهاديين الارهابيين لاستعادة السيطرة على تدمر بعد طردهم منها قبل شهور، وسط انشغال النظام والروس والايرانيين وحلفائهم بمعركة توحيد حلب حيث لا وجود لداعش. فالواضح ان موسكو فرضت على الأميركيين والأوروبيين والأتراك التسليم لها بانهاء معركة حلب لمصلحة النظام باستخدام كل وسائل القوة، مع التلويح بوقف النار لاخراج المدنيين المحاصرين والمسلحين المصنفين ارهابيين أو معتدلين. والظاهر ان تركيا التي تقيم منطقة عازلة داخل الأراضي السورية ضمن عملية درع الفرات هي الأقرب الى معركة الباب ثم منبج.

أما معركة الرقة عاصمة الخلافة الداعشية والتي تديرها أميركا عبر قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، فانها مؤجلة. وأما الأجواء السورية، فانها مفتوحة بالتفاهم مع روسيا للطائرات التركية والاسرائيلية وطائرات التحالف الدولي بقيادة أميركا، وان كانت السيطرة لموسكو. ولا شيء يوحي، حتى اشعار آخر، ان ساعة القضاء على داعش دقّت، أو ان وظيفة داعش المفيدة لأكثر من طرف انتهت، وان كان صوت الحرب على الارهاب هو الأعلى في خطاب الجميع.

ومن المبكر في مثل هذا الوضع الذي تتحكّم التفاهمات من فوق بما يدور من تحت على الأرض تحديد حجم التحولات ونوعها في الصراع الجيوسياسي. لكن من الطبيعي ان تتسارع الرهانات على ما تنتهي اليه الصور الأخيرة في المشهد.