إنتهى سينودوس الكنيسة المارونية الذي عُقد في بكركي من دون أن يُحدث تغييراً جذرياً في بنية الكنيسة التي تعتمد على إستمرارية مؤسساتها، وفي هذه الأثناء يسافر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى الولايات المتحدة الأميركية حاملاً القضيّة اللبنانية الى عاصمة القرار العالمي.
تبدو واشنطن منشغلة بإنتخاباتها الرئاسية التي لا تتأخر دقيقة واحدة عن موعدها، وبالتالي فإنّ أيّ رهانٍ على موقفٍ أميركي يُحرّك الجمود الرئاسي اللبناني يبقى في غير مكانه. وتذهب التحاليل المتشائمة الى حدّ القول إنّ أيّ تدخل أميركي في الملف الرئاسي لن يحصل قبل 6 اشهر من تولّي الرئيس العتيد، أو الرئيسة، مفاتيح البيت الأبيض.
سينشغل الرئيس الأميركي المقبل في ترتيب البيت الداخلي أولاً، قبل الإنصراف الى درس السياسة الخارجية وإطلاقها مجدداً. لذلك، هناك سؤالٌ يطرح نفسه: ماذا لو إتّبع الأميركيون الطريقة اللبنانية وتركوا البيت الابيض بلا رئيس، ماذا كان سيحلّ بدول العالم؟
وأمام هذا الواقع الأميركي، تتجنّب بكركي التعويل كثيراً على زيارة الراعي إلى أميركا، والتي تستمرّ 3 أسابيع تنتهي في 11 تمّوز، وتشمل أبرشيَّتي مار مارون في بروكلين في نيويورك وسيدة لبنان في لوس انجلوس، وتُختتم بترؤسه المؤتمر الماروني لموارنة أميركا في سان فرنسيسكو، تلك المنطقة التي جمعت عام 1945 دول العالم الذين وقّعوا إعلان الأمم المتحدة.
من هنا، فإنّ أساس زيارة الراعي هي المشاركة في مؤتمر سان فرنسيسكو، الذي يعبّر عن أهمية حضور اللوبي الماروني في الدولة التي تحكم العالم.
ستحضر القضية اللبنانية في كلّ لقاءات البطريرك وكلماته، خصوصاً في سان فرنسيسكو، وسيكون الملف الرئاسي موجوداً بقوة، والراعي الذي دأب منذ مدة على الاتصال بدول الغرب والدول الإقليمية المؤثرة سيطلب من اللوبي اللبناني الضغط على الإدارة الأميركية لتحريك عجلة الملفّ الرئاسي.
ويشكّل المؤتمر، الذي يُنظَّم سنوياً ومنذ 50 عاماً لموارنة أميركا، فرصة جديدة لمناقشة العلاقة بين العلمانيّين ورجال الدين والكنيسة المارونية، وهو مناسبة ومشهديّة لظهور الموارنة بهذا الحجم والقوّة في أميركا.
وتؤكد بكركي أنه كلما ظهر الموارنة أقوياء ومتّحدين في الخارج كلما إنعكس ذلك قوة للبنان وللقضية اللبنانية التي هي بأمسّ الحاجة لدعم أبنائها.
ومن هذا المنطلق، تعتبر الكنيسة أنّ الحضور في اميركا مهمّ للغاية، ولا يمكن للموارنة إلّا أن يكونوا فاعلين في هذا البلد، وبالتالي فإنّ مؤتمر سان فرنسيسكو هو محطّة سنوية بارزة سيطلّ من خلالها رأسُ الكنيسة المارونية وفاعلياتها وشخصياتها لطرح الهواجس المختلفة الداخلية وما ترتّب عن أزمات المنطقة وخصوصاً قضية النازحين، بالاضافة الى أنّ البطريرك سيحضّ اللبنانيين خلال لقاءاته على إسترجاع الجنسية اللبنانية.
يدرك الراعي جيداً أنّ مفاتيح قصر بعبدا ليست موجودة حالياً في البيت الابيض الذي يتحضّر لاستقبال سيده أو سيدته، لكنه في المقابل يعلم علمَ اليقين أنّ السياسات الأميركية لا تتأثر بالاشخاص كثيراً، وأنّ الإدارة الأميركية تتغيّر، لكنّ الخطوط الأساسية والثوابت تبقى كما هي.
وفي هذا السياق، تتمثّل ثوابت واشنطن في هذه الفترة بالحفاظ على الاستقرار اللبناني وعدم هدم ما تبقى من مؤسسات الدولة، وعندما يحين زمنُ إنتخاب الرئيس تعود الدولة الى هرميّتها المعهودة.
تنظر بكركي إلى أوضاع مسيحيّي الشرق، وتعلم جيداً أنّ وضع مسيحيّي لبنان هو افضل حالاً منهم، لكنّ الخزان المسيحي المشرقي يحتاج الى شرايين موجودة لدى اللبنانيين في الخارج لتغذّيه، لذلك تُصرّ بكركي رغم الانتقادات من هنا أو هناك، على أنّ زيارات الراعي الخارجية تهدف إلى تعميق الروابط بين لبنان المقيم والمهاجر، الذي يمدّنا بكلّ مقوّمات الصمود، وإلّا لكان الوضع اللبناني سينحدر بسرعة قياسية نحو الانهيار.
تبقى الولايات المتحدة أولويّة في روزنامة كلّ القوى السياسية، التي يُمنع بعضها من زيارتها أو إعطائه تأشيرة دخول، لذلك يُعتبر مؤتمر سان فرنسيسكو محطّة مهمة لتأكيد الحضور الماروني في العالم، على أمل أن يعود الحضور في الداخل اللبناني كما كان، وهذا الأمر لا يتمّ إلّا بإقرار قانونِ انتخابٍ يجسّد المناصفة فعلاً، وبإنتخاب رئيسٍ للجمهورية.