IMLebanon

مشهدية معراب: من المخطئ ليعتذر؟

عندما يغار الموارنة من الشيعة سعياً إلى وحدتهم

مشهدية معراب: من المخطئ ليعتذر؟

عام 2005 تناقل اللبنانيون صورة لأحد المواطنين في بلاد جبيل وقد وضع على سيارته لافتة تقول «جعجع طلع، عون رجع، السيارة للبيع وأنا مهاجر».

يومها لم يستسغ كثر من المسيحيين هذا الإعلان. راهنوا على أن زمن إحباطهم قد ولى، وأن قياداتهم التي عانت في زمن الوصاية السورية من الاضطهاد، تعود للانخراط في إدارة البلد والمشاركة في بناء مستقبله على قاعدة «لبنان اولا». افترضوا أن الجميع تعلّم، أقله من تجاربه. كان ذلك زمن الأوهام الكبيرة، والوعود الأكبر من قدرة أصحابها على الالتزام بها، في ذاك الرابع عشر من آذار.

على امتداد عشر سنوات تموضع الزعيمان المسيحيان سمير جعجع وميشال عون مجددا في خندقين متواجهين، من بيروت الى دمشق مرورا بطهران والرياض وصولا الى واشنطن وموسكو.

قبل يومين، في 18 كانون الثاني 2016، نجح الرجلان في افتعال مشهدية مبهرة. رشح جعجع عون لرئاسة الجمهورية. قرأ «الوصايا الرئاسية» العشر، وشربا نخب الرئاسة والرئيس والجمهورية.

جمهور كل من الرجلين، بمعظمه، رحب وأيّد، ومنهم من هلّل. يعرف هؤلاء جيدا أن الترشيح لا يعني مطلقا الوصول الى قصر بعبدا. ومع ذلك فرح «العونيون» لان «الحكيم يرشح العماد»، أي «يتبنى مواقفه وخياراته، وبالتالي يقر له بالحق والأحقية لإدارة البلد». وفرح «القواتيون» لان «الحكيم أتى بالعماد الى قناعاته ووصاياه. وكرّس عون القوات كممر إلزامي لزعامة أي رئيس ماروني».

فجأة، وبعد حفل «التنصيب» الرئاسي والإبهار، عادت المشاهد الى بهتانها وتكرارها الممل. فعند تلاقي هاتين القوتين المسيحيتين، يبدأ «تخوين» كل من لا يبارك هذا التلاقي ويتحمس له. يتم ذلك تحت شعارات معلنة ومشاعر مبطنة. واذا كان المعلن من الكلام معروفا، فالمضمر من التهويمات يجدر التوقف عنده. حقق «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» حلم التماهي مع القوتين الشيعيتين الأبرز، «حركة أمل»، و «حزب الله». ففي مكان ما من وجدان المسيحيين، إن «خسارتهم الفعلية للحرب تجسدت في حروب عون ـ جعجع. وان الشيعة يستمدون قوتهم الفعلية من تكتلهم وتضامنهم. وكذلك يفعل الدروز بالتفافهم حول وليد جنبلاط. والتفاف غالبية السنّة حول الشهيد رفيق الحريري هو ما أمدّه بالقوة. بالتالي فإن تبسيط القراءة السياسية بلغ عند المسيحيين حدّ استشهاد أحد نوابهم بحكاية الرزمة المتحدة التي لا يستطيع أحد كسرها بينما الاستفراد بالعود يجعله نثراً محطماً».

لكن في وجه من يتحد المسيحيون، وتحديداً «القوات» و «التيار»؟ في وجه الأحزاب والقوى المسيحية الاخرى؟ أم في وجه المسلمين، المفترضين حلفاء للطرفين؟ على ماذا توافقا أبعد من عموميات تصلح لكتاب التربية الوطنية من نهائية لبنان «كوطن سيد حر والإيمان بالعيش وبالمبادئ التأسيسية الواردة في مقدمة الدستور والعداء لإسرائيل؟ حتى البند الذي يفاخر القواتيون بأنه يعني «حزب الله» من دون تسميته، وفيه «ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية في الاتجاهين، وعدم السماح باستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين»، قابل للاجتهاد في الشرح من جهة «التيار».

لا يمكن لحريص على استقرار البلد والحفاظ على حدّ أدنى من التوافقات بين مكوّناته، أن يكون متحسساً من أي مصالحة أو حوار بين «التيار» و «القوات». على العكس، ففي البلد قناعة راسخة بأن لا حلّ إلا بالتلاقي والحوار، خصوصا في الأزمات. لكن حين يصل الأمر الى مرشَّح ومرشِح لرئاسة الجمهورية، فإن على أحد الفريقين أن يقدم اعتذارا علنيا عن خياراته ومواقفه وانحيازاته الخاطئة، في المرحلة السابقة. فمن غير المنطقي أو الأخلاقي ولا حتى السياسي أن يرشح أحد، أو أن يقبل الترشح، من غريمه وخصمه السياسي.

أما التحجج بأن هذه الخطوة أتت ردا على حلفاء الطرفين المسلمين، الذين لم يراعوا موجبات التحالف والشراكة، فتلك يتم مقارعتها بأساليب اخرى وليس بإحياء عصبيات طائفية في مواجهة حساسيات وحسابات سياسية.

وعليه، لا شك بأن كثراً يحسدون الشاب الجبيلي اذا نجح في بيع سيارته والهجرة.