على أبواب العام الدراسي، تشهد مكتبات بيع الكتب المدرسية تهافتاً لـ«الظفر» بكتب مستعملة في حالة جيدة. تخرج لطيفة عابسة بعدما باعت كل كتب ابنتها مقابل 750 ألف ليرة اشترت بها كتاباً مستعملاً واحداً! فيما الكتب الجديدة «أسعارها خيالية… كلّو بالدولار».
العام الماضي، اتّفقت وزارة الاقتصاد مع نقابة الناشرين على تقاضي 76% من سعر الكتاب، بعدما كان الاتفاق في العام الذي سبق على تقاضي 43% من السعر. أما هذا العام، فيُباع الكتاب وفق السعر المحدد، أي 100% من دون حسومات، وبالفريش دولار، ما يعني رفع الدعم تماماً عن الكتاب المدرسي، وصولا إلى دولرته الكاملة. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الكتب بنسبة 25%، ليصل سعر سلّة كتب تلامذة الحلقة الأولى إلى 100 دولار على الأقل، ونحو 125 دولاراً لتلامذة المرحلة المتوسطة، و200 دولار للمرحلة الثانوية، فيما تبدأ الأسعار من 250 دولاراً وتصل إلى 350 دولاراً في المدارس التي تعتمد مناهج أجنبية.
في المقابل، خيار «المستعمل» ليس متاحاً. العثور على «حبّة نظيفة» يستلزم رحلة بحث مضنية. فمنذ بدء الأزمة قبل أربع سنوات، تراجعت طباعة الكتب الجديدة، وبقيت الكتب نفسها تدور بين التلاميذ حتى «اهترت». القاعدة العامة في المكتبات، في ما يخص الكتب المستعملة، تعتمد «الشراء بربع الثمن والبيع بنصف الثمن، وطبعاً هذا يتوقف عند حال الكتاب»، كما يقول أبو صبحي، مدير المكتبة العصرية في صيدا، مشيراً إلى «تكاليف عالية تتكبدها المكتبات من أجور الموظفين إلى إيجار المكتبة وكلفة مازوت الكهرباء، إضافة إلى كلفة نقل الكتب من دور النشر في بيروت». ويلفت إلى أن كثيرين باتوا يشترون الكتب الجديدة «بالتقسيط… أي يشترون الأجزاء الأولى ليبدأ التلميذ سنته الدراسية، وبعدها يشترون الأجزاء الأخرى».
نقابة الناشرين تطالب بزيادة 23% على الأسعار ربطاً بـ«التضخم العالمي»
وإلى الكتب المستعملة، برزت حلول أخرى، كتصوير المدرسة الأجزاء المطلوبة من الكتب وبيعها في كتيّبات، أو توزيعها على شكل pdf. كما ظهرت مكتبات إلكترونية لبيع الكتب الجديدة والمستعملة، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لبيع الكتب المستعملة وتبادلها.
العزوف عن تأمين الكتب الجديدة يؤكده تراجع مبيعات دور النشر والتي «بلغت العام الماضي 6% مما كانت عليه عام 2019، لترتفع بشكل طفيف هذا العام إلى ما بين 10 و12%»، بحسب أمين سر نقابة الناشرين، صاحب دار «الفكر للطباعة والنشر والتوزيع» جاد عاصي، متوقعاً «أن تصل نسبة المبيعات بنهاية العام إلى 20% من قيمتها عام 2019 بالحد الأقصى». وأضاف إن ذلك أدى إلى إقفال دور نشر أبوابها، واعتماد أخرى التقشف، «فقد تراجع عدد موظفينا مثلاً من 121 إلى 48».
بيع الكتاب المدرسي وفق سعره المحدّد «لا يوفّي» مع دور النشر، والمطلوب، وفق عاصي، «تسعيره بقيمة 123% من سعره الحالي ربطاً بارتفاع أسعار الكتب عالمياً»، عازياً ذلك إلى «التضخم العالمي الذي أدى إلى رفع أسعار الورق والصمغ والشحن، وبالتالي رفع كلفة طباعة الكتب 22.9%، بحسب دراسة أجنبية أرسلناها إلى وزارة الاقتصاد التي اقتنعت، من دون أن تقوم بأي خطوة عملية»، معتبراً أنّ «ثمن الكتاب الذي يحمله الطالب طوال العام يساوي سعر نرجيلة»، من دون أن ينكر أن بعض الأهالي غير قادرين فعلاً على تأمين تكاليف العملية التعليمية. لكنه يلفت إلى ما هو «أخطر» من ثمن الكتاب، وهو «عدم تطوير المناهج، فقد تحوّلنا من منارة العلم والثقافة إلى مدفن العلم، فدُور النشر لم تعد تجازف في نشر طبعات جديدة قد لا تلقى من يشتريها».