يكفي أن يعتدي تلميذ على أستاذه في مدرسة رسمية، لإدراك أن الأمور في المدرسة ليست على ما يرام. ويكفي أيضاً أن يتكفل أستاذ بحل مشكلة في المدرسة على طريقته، ويمارس العنف ضد التلامذة لندرك أيضاً أن المدرسة تعاني صعوبات في الإدارة والتعليم. وحين يتدخل الأهل في شؤون المدرسة الرسمية في بلدة أو منطقة، يعني أن الإدارة الاهلية، تقرر فيها وتأخذ على عاتقها حل الأمور، وصيّة على المدرسة وإدارتها. وبما ان التعليم الرسمي يعاني على أكثر من مستوى، في غياب الرعاية وعدم اكتراث الدولة لتأمين الحاجات الضرورية لاستمرار التعليم واستقراره، يقرر غيرها، وفق المنطقة، إدارة الأمر وتحويل المدرسة الى مركز خدمات لمصالح بعيدة من التعليم ولأهداف خاصة، لا تكترث لمعايير التعليم ولشروط الانتساب الى المدرسة.
هذه نماذج في المدرسة الرسمية، لكنها ليست كل نماذج المعاناة، التي تواجهها. ثمة مشكلة يتعين حلها تتعلق بوقف التدخل الأهلي والمحلي المغطى بالسياسي في شؤون المدرسة، إذ ليس منطقياً أن يقرر الأهالي عدد تلامذة المدرسة ومن يكون المدير أو المعلم الذي يدرّس هذه المادة أو تلك، وإلا تحولت المدرسة الى ما يشبه الجمعية العائلية. ثم كيف يكون التعليم مستقراً بينما هناك نقص في عدد الأساتذة، خصوصاً للمواد الأساسية، فيما يتولى عدد من المتعاقدين الجدد مسيرة التدريس من دون خبرات ولا تأهيل، ما يجعل التعليم مجرد إمرار ساعات لا يحصل خلالها التلميذ على ما يكفي من تحصيل يؤهله للانتقال الى المراحل العليا وصولاً الى الجامعة.
وليس من داع للحديث عن نماذج من لامبالاة الدولة والحكومة تجاه المدرسة الرسمية، فالدعم غير متوافر، وإذا تأمنت حاجات محددة، لا تلبي المتطلبات الضرورية التي تسمح بتدريس مستدام، فيما تبقى صناديق المدارس فارغة أو تعاني عجزاً مستمراً، علماً أن الحاجات صارت أكثر من مضاعفة جراء توافد التلامذة اللاجئين الذين صارت أعدادهم توازي أعداد التلامذة اللبنانيين، مع ما يرتبه ذلك من ضغوط على المدرسة والأساتذة وعلى مستوى التعليم وقيمته، بسبب التسرع وعدم التدقيق وغياب التقويم الذي في الأساس هو وسيلة لدفع التعليم الى الأمام عبر معالجة الثغر وتصويب الأداء.
يمكن تسجيل ملاحظات كثيرة واستحضار نماذج عما يحصل في التعليم الرسمي، الذي كان له شأن في عصر ذهبي لم يبق منه إلا التاريخ، فيما حقوق الأساتذة أو على الأقل تأمين الحد الادنى من متطلبات استمرارهم في أداء هذه الرسالة، لا تعني السلطة. والأمر لا يتعلق بسلسلة رواتب فحسب، إنما بالنظر الى وظيفة التعليم الرسمي التي يجري تصفيتها، فالإهمال وعدم الإكتراث هما وسيلتان للقول إن لا حاجة لصرف أموال على تعليم غير منتج. وكأن كل الناس ولدوا وتخرّجوا من المدرسة الخاصة!