Site icon IMLebanon

إرتفاع عشوائي للأقساط المدرسيّة: إدفع ثم اعترِض؟

 

هل تجرؤ المدارس الخاصّة على التصريح عن كلفة الطالب الواحد فيها؟

 

يبدو أن ما حصل السنة الماضية كان لعبة «جسّ نبض» انتهت بانتصار إدارات المدارس الخاصة على الأهالي الذين «بلعوا الموس» وسدّدوا ما عليهم. فالخيار الثاني، أي التوجه إلى المدارس الرسمية، كان شبه معدوم بسبب العثرات المتلاحقة والتي أسقطته من الحسابات. لكن نجاح عملية «جسّ النبض» رفعت من منسوب هستيريا زيادة الأقساط للعام الدراسي المقبل. فكما بالدولار الفريش كذلك بالليرة، نتحدّث عن أقساط تساوي أربعة أضعاف ما كانت عليه على الأقل، لتتخطى عتبة الـ8 آلاف دولار في بعض المدارس.

 

هل تتغيّر قواعد اللعبة مع تحرّك الجهات المعنية هذه المرّة وعلى رأسها وزارة التربية ولجنة التربية النيابية؟ وهل سيتمكّن ذوو الطلاب، ممثَّلين بلجان الأهل، من ردّ اعتبارهم في مواجهة أرقام خيالية وعشوائية تُفرض عليهم دون وجه حق؟ أم أن رهان المدارس على رضوخ الأهل من جهة وغياب الرقابة والمحاسبة من جهة أخرى سيجعلان من طمع بعضها قاعدة تتحكم بالتعليم الخاص- للميسورين فقط- في لبنان؟

 

إستعمار القطاع مستمرّ

 

البداية مع رئيسة إتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة، لمى الطويل، التي اعتبرت في حديث لـ»نداء الوطن» أن التمادي في عشوائية تحديد الأقساط إنما يعود إلى عدم التزام المدارس الخاصة بالتعاميم الصادرة عن وزارة التربية في ظلّ غياب أي إجراءات قانونية بحق المخالفين. «أتفهّم جيداً الحاجة إلى زيادة رواتب الأساتذة حفاظاً على المستوى التعليمي والاستمرارية، لكن ما لا أفهمه هو عدم الشفافية في عرض موازنات المدارس على لجان الأهل وخبراء المحاسبة للتأكّد من أحقّية هذه الأقساط»، كما تقول. ذوو الطلاب هم الضحية كالعادة والسؤال يتجدّد عن دور لجان الأهل. الإجابة: على هؤلاء الإيعاز للأهالي بعدم تسديد أي جزء من القسط قبل الاطلاع على الموازنات والتأكد من صحة الأرقام، والاعتراض لدى وزارة التربية لأن رفع الصوت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحده لن يؤدي إلى نتيجة ما لم يقترن بالفعل.

نستفسر عن دور وزارة التربية، فتجيب الطويل: «على الوزارة إصدار قرارات حاسمة لضبط العشوائية ومراقبة الأقساط. ليس مقبولاً التذرّع بأن سقف العقوبات التي يسمح بها القانون هو سحب التوقيع من مدير المدرسة المخالِفة، بما لا يشكّل أي رادع جذري بذاته. من هنا أدعو الحكومة والوزارة كما لجنة التربية النيابية لإجراء تعديلات سريعة تهدف إلى اتخاذ إجراءات موجعة بحق المدارس المخالِفة، كما إجبارها على عرض موازناتها وحساباتها على خبراء محاسبة محلَّفين تقوم الوزارة بتعيينهم».

 

أما ضرورة إيجاد حلّ لمشكلة القطاع العام كون منتسبيه يشكّلون 30 إلى 40% من ذوي طلاب المدارس الخاصة فنقطة أخرى أشارت إليها الطويل، لافتة إلى المسؤولية التي على الأساتذة تقاسمها مع الأهل: «الأساتذة يريدون كل شيء. فهم يدعون لتطبيق القانون حين يريدون، ويخالفونه ساعة يشاؤون. يطالبون بالراتب القانوني كما ببدلات النقل التي حدّدتها الدولة بالليرة لأساتذة التعليم الرسمي، ويصرّون على تعليم أولادهم مجاناً بحسب ما نص عليه القانون. وبالمقابل يهدّدون بتقاضي جزء من راتبهم بالدولار ويمتنعون عن تسديد قسط الدولار لأولادهم في مخالفة واضحة للقانون». وتختصر خاتمة بأن انهيار القطاع الخاص هو من صنع أيدي مستعمريه من سياسيين وأصحاب مدارس، وكأن ما حصدوه لجيوبهم عبر السنين لم يكفِهم بعد.

 

بالحديث عن الأساتذة، تواصلنا مع نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، الذي لفت إلى أن أكثر الأطراف تحمّلاً للمسؤولية هم الأساتذة الذين يتقاضون، منذ أربع سنوات، الزهيد الزهيد. ففي العام الدراسي الماضي، 20% من المدارس الخاصة لم تدفع للأساتذة أي مبلغ بالدولار، 20% منها منحت حوالى 50 دولاراً للأستاذ شهرياً، في حين أن 12 مدرسة فقط من أصل 1200 دفعت لأساتذتها مبلغاً يتراوح بين 500 و600 دولار شهرياً. «أطلقنا الصرخة هذا العام خوفاً من ألا يبقى أحد من الأكفّاء التربويين. 20% من هؤلاء انتقلوا إلى دول الخليج ومصر وكندا. وللحفاظ على الباقين يجب رفع قيمة مبالغ الدولار التي يتقاضاها الأستاذ»، كما يضيف. هل نفهم إذاً أن الأهل هم المسؤولون الوحيدون عن تأمين رواتب الأساتذة؟ «الأهل والمعلمون مسحوقون كما 90% من الشعب اللبناني. حذار أن يضعهم أحد في المواجهة. هناك مدارس أخذت اليسير من الأهل ودفعت للمعلمين، لكن هناك مدارس تقاضت أرقاماً هائلة ولم تعطِ الأستاذ سوى الفتات. بدلاً من التوجه إلى الأساتذة، على لجان الأهل مراقبة كيف تقوم المدارس بصرف أموالها».

 

محفوض حمّل الأهل مسؤولية انتخاب لجان أهل لا تمثّلهم. وخاطب كل من يطالب الأساتذة بتسديد أقساط أولادهم مشاركة منهم في تحمّل المسؤولية، متسائلاً: «هل من المعقول أن يشتري عامل الفرن ربطة الخبز، مثلاً، وهل لا يحقّ لمن يعلّم أولاد الناس تعليم أولاده؟ إنه القانون الذي نصّ على ذلك». أما بالنسبة لاعتماد الأساتذة على النقل المشترك كإحدى السياسات التقشّفية للتخفيف عن كاهل الأهل، فعلّق: «حين يتأمن النقل المشترك لكافة الناس سنكون جزءاً منه، لكن عن أي نقل مشترك يتكلمون؟ أما إذا كان المقصود نقل الأساتذة في نفس الباصات مع التلامذة، فليسمَحوا لي بالقول إن ثمة حدّاً أدنى من الكرامات. ألهذه الدرجة يريدون سحق هيبة المعلم؟».

 

لجم وضبط… أو الفوضى

 

هي الهيبات في البلد تتداعى واحدة تلو الأخرى. وبين «هيبة» المعلّم و(لا) خيارات الأهل، اتّصلنا بمدير عام وزارة التربية، عماد أشقر، علّه يبرّد نار الأقساط المشتعلة بخبر سار. وهو فعلاً بشّر في كلامه لـ»نداء الوطن» بتشكيل لجنة مشتركة من مدراء المدارس والمعلمين والأهل تعمل تحت مظلة الوزير لتقديم مشروع تصوّر لتعديل القانون رقم 515 أو لإيجاد اقتراح بديل عنه للوصول إلى ورقة مشتركة بين الجميع تنظيماً للعمل في العام الدراسي المقبل. الأمل هو بأن تصدر ورقة التصوّر خلال عشرة أيام، لكن ماذا عن غياب الإجراءات العقابية رغم أن مخالفات المدارس بالجملة؟ «القانون يحدّ من دور الوزارة. ففي حال ثبتت مخالفة المدرسة للأقساط مع التمنّع عن تعديلها أو الاستعانة بخبير محاسبة، نصّت المادة 13 من القانون 515 على حق الوزارة في إحالة المدرسة إلى القضاء المختص، أي المجالس التحكيمية، والتي هي غير موجودة»، بحسب الأشقر.

 

لا مجالس لتُحكّم. واستبدال القانون 515 بقانون عصري يتناسب مع الواقع الحالي الذي لم يعد يشبه واقع العام 1996 ضروري. نستمع للأشقر الذي أردف أن وزارة التربية تقوم بما أمكن للجم مخالفات المدارس. صحيح أنه تمّ سحب توقيع الكثير من مدراء تلك المخالِفة، لكن تبيّن أن من دفع الثمن هم الطلاب والأساتذة بعد التوقف عن إمضاء الإفادات والرواتب الشهرية، في حين أن المدرسة أكملت في ممارسة سياستها وكأن شيئاً لم يحصل. «في العام الدراسي 2020-2021، وبناء لشكاوى الأهالي، قمنا بإرسال مدقّقي محاسبة للتدقيق في موازنات 100 مدرسة، وتمّ إحالة 73 منها للقضاء المختص أو المجالس التحكيمية (غير الموجودة)، ولتاريخه ما زال الملف يراوح مكانه هناك». الأشقر تمنى على اللجنة إصدار تصوّر سريع يلجم ويضبط وينظّم عملية تحديد الأقساط بما يناسب الجميع، معوّلاً على مشروع القانون الذي تقدّم به رئيس لجنة التربية النيابية في هذا الخصوص وإلا سيكون التعليم الخاص أمام فوضى كارثية لم نشهد لها مثيلاً. وإلى مدراء المدارس الخاصة، سؤال أخير منه: هل تجرؤون على التصريح عن كلفة الطالب الواحد في مدارسكم؟

 

صحوة ضمير

 

نعرّج على مشروع القانون الذي تقدّم به رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والثقافة النيابية، النائب حسن مراد. كان ذلك في أيار الماضي ومن أجل تنظيم أقساط المدارس الخاصة تحديداً. مراد شدّد في حديث لـ»نداء الوطن» على أن المشكلة تكمن في غياب المعايير المعتمدة في تحديد الأقساط والتسعير بالدولار في مخالفة واضحة للقانون 515. فمراعاة للوضع العام وإحساساً بالمسؤولية، تقدّمت اللجنة باقتراح قانون معجّل مكرّر لمجلس النواب يُطلب فيه تعديل القانون لسنة واحدة، نظراً للظروف، إذ يقتضي النص تعليق بعض الفقرات في مواد القانون المذكور وترك الحرية للمدارس في تحديد أقساطها شرط موافقة 75% من لجان أهل كل منها عليها، على أن يشكّل الراتب الشهري للأستاذ 25% من القسط المدرسي. كما يحق لـ20% من الأهل غير الممثَّلين في لجنة الأهل الطعن بقرار المدرسة واللجنة في حال تبيّن تواطؤ الأخيرة مع إدارة المدرسة، حيث تكون وزارة التربية صاحبة القرار النهائي في تحديد القسط.

 

المشروع لحظ العقوبات بحقّ من يخالف تطبيق النص تحت طائلة سحب الرخصة من المدرسة، ما سيمنح وزارة التربية قوة ردع إضافية لإنجاح جهودها رغم إمكانياتها اللوجستية المحدودة. مراد، الذي تمنى على الكتل النيابية الحضور والتصويت على المشروع، ختم: «لقد قمت بدوري كرئيس للجنة التربية، لكنني أدعو كافة الكتل للوقوف وقفة ضمير لمصلحة الأهل والطلاب، خاصة وأن مشروع القانون هذا هو على مسافة واحدة من الأطراف الثلاثة (المدرسة، الأساتذة والأهل) وينظّم العلاقة بينهم وفقاً للأنظمة المرعية الإجراء التي تحفظ حق الجميع دون إثراء طرف على حساب الآخر».

 

بعد كل ما سمعناه، نتأكّد أكثر أن موجة متجدّدة من الحرّ الشديد ستضرب صيف الأقساط المدرسية. مدارس أعماها الطمع، أساتذة يهدّدون على حساب أهالٍ أعياهم الجوع، وطلاب يناضلون. نجاح الخطط والمشاريع لم يكن مضموناً يوماً لدينا. وأمام اختبار كهذا- في ظلّ ما يتردّد عن محاولات لدمج الطلاب السوريين في المدارس الخاصة مقابل تقديم مساعدات مالية لها- يصبح تعريف النجاح ومعاييره أكثر تعقيداً بكثير.