Site icon IMLebanon

الأقساط المدرسية أولى ضحايا «السلسلة»… والدولة عاجزة

من المُتوقّع أن يشهد لبنان إضطرابات إجتماعية مع بدء العام الدراسي المقبل كنتيجة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب من خلال الضرائب. وأولى ضحايا السلسلة الأقساط المدرسية التي ستشهد إرتفاعا بنسبة 30 إلى 50 في المئة. لكن الأصعب في الأمر هو أن الدوّلة عاجزة بالكامل عن تقديم أية حلول. فهل إنتهت صلاحية النموذج التعليمي في لبنان؟

يُنظّم القانون 515 أصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصّة. وينصّ هذا القانون على أن موازنة المدّرسة تنقسم إلى قسمين الأجور والرواتب (65% وما فوق) وتطوير المدرسة (35% وما دون). وتحديد الموازنة يتمّ من خلال لجنة مؤلّفة من مُمثلين عن المدرسة ومُمثلين عن الأهل الذين يضعون مُسودّة مشروع تُرفع إلى الإدارة وإلى لجنة الأهل. وفي حال تمّ التوصّل إلى إتفاق، تُرفع إلى وزارة التربية.

نظريًا، تُعتبر هذه الآلية آلية مقبولة، لكن في التطبيق يشوب هذه الآلية عيوب كثيرة على رأسها تحديد المبلغ المُخصص لتطوير المدرسة. فلجنة الأهالي هي لجنة مُنحازة إلى الإدارة في مُعظم الأحيان وتتمتّع بعدد من التقديمات التي لا يتمتّع بها أهالي الطلاب الباقون من مواقف سيارات وتنزيلات على الأقساط وغيرها.

وبالتالي، ومع هذا الخلّل، هناك نقص واضح في شفافية هذه الآلية من ناحية أن هناك إمكانية نفخ عدد الأساتذة وتنقيص عدد التلاميذ بحكم أن هذين الرقمين لا يُمكن معرفتهما في العام الذي يسبق العام الدراسي.

أيضًا هناك خلّل في تحديد موازنة تطوير المدرسة حيث يتمّ رفعها إلى حدود الـ 35% بشكل دائم مع العلم أن مُعظم المدارس قامت بتطوير مبانيها وبنيتها التحتية منذ عقود وبالتالي لا يوجد أي دافع لرصد 35% من الموازنة لتطويرها.

منذ إحالة مشروع سلسلة الرتب والرواتب في العام 2012 من قبل حكومة الرئيس ميقاتي إلى مجلس النواب، والمواطن يتخوّف من إرتفاع أقساط المدارس في حال أُقرّت السلسلة. وقد عمدت المدارس الخاصة إلى رفع أقساطها من 50% إلى إلى 75% بحسب المدارس (150% منذ العام 2006).

هذا التفاوت في النسب يختلف بين المدارس الخاصة لأن البعض بدأ بدفع غلاء المعيشة للأساتذة أمّا البعض الأخر فلم يفعلّ.

وفي كلّ مرّة رفعت المدارس أقساطها، كانت الحجّة أن هذا الأمر إحترازي في حال تمّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب مع مفعول رجعي من دون أيةّ ضمانة على أن تكون هذه الزيادة هي على رصيد الأهالي في حال لم يتمّ إقرار المفعول الرجعي. ويكفي النظر إلى التعاميم التي تُرسلها المدارس إلى الأهالي للتأكد من هذا الموضوع.

إقرار السلسلة تمّ من دون مفعول رجعي، وبالتالي فإن الزيادات التي تمّت هي حقوق للأهالي على المدارس. لكن تصريح الأمانة العامّة في الإعلام في الفترة التي سبقت إقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي صرّحت أن هناك زيادة في الأقساط بنسبة 27% في حال أُقرّت السلسلة من دون مفعول رجعي و50% في حال أُقرّت مع مفعول رجعي، يطرح السؤال عن أحقيّة هذه الزيادة.

وعلى الرغم من نفي الأمانة العامّة لتصريحها بخصوص نسب الزيادة، إلا أنه بإعتقادنا هناك مّخطط تسويقي لتحضير الأهالي نفسيًا لهذه الزيادات وهذا ما يُبرّر تصريح الأمانة العامّة للمدارس الكاثولوكية.

لا شكّ أن هذه الزيادات إذا طُبّقت ستُشكّل عبئًا ثقيلًا على موازنة الأسر. على سبيل المثال، إذا كان هناك أسرة مؤلّفة من 4 أولاد مع قسط 6 ملايين ليرة للطالب أي 24 مليون ليرة للأطفال الأربعة، وإذا ما تمّت زيادة 30% على الأقساط فهذا يعني أن الفاتورة ستُصبح 31 مليون ومئتي ألف ليرة لبنانية (هذا من دون ثمن القرطاسية).

وإذا ما إعتبرنا أن الأسرة تتمتّع بمدخول سنوي يوازي 72 مليون ليرة لبنانية (4000 د.أ شهريًا – دخل الأب والأم)، فهذا يعني أن نصف المدخول سيذهب للأقساط!

إذا ما قرّرت الأسرة نقل أولادها إلى المدرسة الرسمية حيث أن الكلفة رمزية، ستواجه مُشكلة مع قلّة الأماكن ناهيك عن المستوى المُتدنّي للمدرسة الرسمية.

نعم حال المدرسة الرسمية لم يعد كما كان سابقًا مع نسب نجاح عالية في الإمتحانات الرسمية وتراجع الرقابة الأكاديمية على المستوى.

والدوّلة في كل هذا تقف عاجزة لأن لا قدرة لها على إيجاد أماكن للطلاب اللبنانيين في المدارس الرسمية خصوصًا مع الكمّ الهائل من الطلاب السوريين الذين يفوق عددهم عدد الطلاب اللبنانيين.

هذا الأمر سيخلق مُشكلة إجتماعية ستكون لها تداعيات سلبية في الأشهر المقبلة، وقد تصل إلى حدّ التظاهرات خصوصًا أن إرتفاع الأسعار لن يطال فقط الأقساط المدرسية بل سيطال كل السلع والخدمات بحكم أن الضريبة على القيمة المُضافة والرسوم والضرائب التي تواكب سلسلة الرتب والرواتب ستجعل الأسعار ترتفع حتى للسلع والخدمات غير الخاضعة للضريبة على القيمة المُضافة. هذا الأمر يتمّ عبر التضخم الذي يخلقه إرتفاع أسعار المحروقات والتي تُستخدم في تصنيع أو نقل كل السلع والبضائع.

أضف إلى ذلك أن هناك إرتفاعًا سينتج عن رفع الضريبة على القيمة المُضافة على العديد من السلع والخدمات ومن تدوير الأسعار الذي سيقوم به التجار. لكن الأصعب في الأمر هو جشع بعض التجّار الذين سيعمدون إلى رفع الأسعار بشكل غير مُبرّر خصوصًا أن الرقابة على الأسعار لن تكون قادرة على لجم هذا الجشع. فكيف يُمكن لـ 140 مراقبا في وزارة الإقتصاد والتجارة من مراقبة 80 ألف مؤسسة وشركة في لبنان؟

أيضًا هناك مُشكلة الصلاحيات المُعطاة لوزارة الإقتصاد والتجارة التي مثلًا لا يحقّ لها الدخول إلى المدارس للتدقيق في أسعار الكتب والقرطاسية التي تبيعها المدارس (إلزامية التعاون مع وزارة التربية)، كما وصلاحية وزارة الإقتصاد والتجارة في المسابح (إلزامية التعاون مع وزارة السياحة) وغيرها.

هذا الأمر المؤلم يطرح السؤال عن النموذج التعليمي في المدارس اللبنانية خصوصًا أن كلفة الطالب في المدرسة الرسمية أعلى من كلفة الطالب في المدرسة الخاصة بالاضافة الى عجز المدرسة الرسمية عن إستيعاب الطلاب اللبنانيين وتدنّي المستوى الأكاديمي.

في النتيجة، هناك مُشكلة على الدوّلة مُعالجتها في أسرع وقت مُمكن وذلك من خلال مراقبة موازنة المدارس الخاصة بشكل دقيق تفاديًا لردّة فعل شعبية كما ومن خلال إعادة هيكلة قطاع التعليم في المدارس العامّة والخاصة لأنه بإعتقادنا النموذج الحالي لم يعدّ يُلبّي الحاجة.