العودة إلى المدرسة محفوفة بالتحدّيات الاقتصادية واللوجستية وبـ «بورصة» كورونا، فيما تواصل وزارة التربية لقاءاتها المفتوحة لتقرير السيناريو الأقرب إلى التنفيذ في خطّتها التي ستطلقها قريباً.
حتى الآن، الرؤية لا تزال ضبابية والقرار غير حاسم لكونه يؤخذ في سياق ردّ الفعل أكثر منه في سياق التخطيط، لا سيما وسط النزاع حول الصلاحيات بين الأجهزة المعنية: مديريات الوزارة والإرشاد والتوجيه والمركز التربوي للبحوث والإنماء.
ميل إلى التعليم الحضوري على خلفية أن المدرسة هي المكان الأكثر أماناً(مروان بو حيدر)
أما الخطة فتفرض على الوزارة أن تتجاوز ثلاثة أنواع من التحديات قبل بداية العام الدراسي الجديد المقرّر بين أيلول وتشرين الأول، وهي: تداعيات الأزمة الاقتصادية وأثرها لناحية زيادة الطلب على التعليم الرسمي والاستمرار في التعلّم، تدارك ومعالجة تأثير وطأة الاحتجاجات والفيروس على انتظام العام الدراسي 2019 – 2020، وفتح المدارس بطريقة آمنة ضمن بيئة صحية سليمة / أو التعلم عن بُعد للعام الدراسي 2020 – 2021.
وفي السيناريوات المطروحة، فتح المدارس بشكل طبيعي وتوفير مقاعد لجميع التلامذة وضمان الوضع الصحي والآمن. وهذا يستوجب، بحسب النقاشات داخل الوزارة، خفض عدد التلامذة في الصفوف إلى النصف ووجود كادر تعليمي كامل وعدد كافٍ من المرشدين الصحيّين. ويحضر هنا طرح التدريس ثلاثة أيام وملازمة المنازل ثلاثة أيام أو تقسيم التلامذة قبل الظهر وبعده والحاجة إلى تقليص المناهج، وهي مهمة غير سهلة وتستلزم اجتماعات كثيرة للتربويين والخبراء لربط الكفايات لدى التلميذ، وسدّ الفجوات التعليمية. والخيار الثاني التعلم عن بُعد حصرياً طوال العام الدراسي، والثالث فتح المدارس جزئياً وتطبيق التعلم عن بعد معاً. ودون هذين الخيارين عقبات كثيرة تقنية وتربوية. السيناريوات تدرس «كل يوم بيومه» في ظل استمرار تسجيل إصابات مرتفعة بالفيروس. وفيما لا يزال السيناريو الأول مستبعداً يرجّح أن يكون تعليم الفصل الدراسي الأول بكامله عن بعد، إلّا أن النقاشات تعكس ميلاً لدى الإدارة التربوية إلى التعليم الحضوري على غرار ما حصل في الجامعة اللبنانية التي أجرت امتحاناتها حضورياً رغم اعتراضات طلابها، بحجة أن المدرسة يمكنها توفير تدابير أكثر أمناً من المسابح والمطاعم وأماكن السهر التي يقصدها التلامذة.
سيناريو التباعد الاجتماعي سيفرض مضاعفة عدد ساعات المتعاقدين وتأمين اعتمادات لذلك
الخطة تسير في حقل من «الألغام» قد يحول دون دخول آمن للعام الدراسي، ويرافقها قلق المعلمين على صحتهم، خصوصاً أنهم سيداومون طيلة 6 أيام في ما لو تم تقسيم الطلاب، فضلاً عن الأعباء المضاعفة حضورياً وعن بعد. ويبدو لافتاً استبعاد التفتيش التربوي عن كل النقاشات التي تدور في الوزارة تحضيراً للعام الدراسي.
هذا العام سيبدأ أيضاً من دون أي حسم حتى الآن لطباعة الكتاب المدرسي الوطني المعتمد لمئات آلاف التلامذة الذين يدرسون في المدارس الرسمية وبعض المدارس الخاصة، والذي فشلت مناقصته مرتين. إلى ذلك، لا يحتمل العام الدراسي الجديد في المدارس الرسمية صناديق مدارس فارغة (مدارس في الشمال وبيروت لم تقبض أكثر من نصف مستحقاتها عن العام الدراسي الماضي) ولا سيما بالنسبة إلى توفير الاحتياجات الأساسية وسط جنون أسعار القرطاسية ومواعين الورق والمازوت (في المناطق الجبلية) وغيرها.
أما سيناريو التباعد الاجتماعي مثلاً، فسيفرض مضاعفة عدد ساعات المتعاقدين وتأمين اعتمادات لذلك. وتجربة التعلم عن بُعد التي واجهت صعوبات كثيرة في العام الدراسي الماضي تتعلق بالمقوّمات من إنترنت وكهرباء، إذ تتفاوت نسبتهما بين مدرسة وأخرى، تحتاج إلى إعادة تقييم.
لا تحدّد الخطة العدد المتوقّع للتلامذة الذين سينزحون من التعليم الخاص إلى التعليم الرسمي (مصادر الإدارة التربوية تقول إن التقديرات لا تزيد على 50 ألف تلميذ)، إلّا أنها تقرّ بأن هناك ما يقارب 80 ألف تلميذ (23%) يتعلمون في أبنية مدرسية رديئة النوعية في بعض الأقضية، ومن المتوقع حصول ضغط إضافي على التعليم الرسمي في 10 أقضية من أصل 26 لاستيعاب الطلب الإضافي على التعليم الرسمي. علماً أنه لم يتم تجهيز المدارس بعد للتكيّف مع تدابير الصحة والسلامة في ظل «كورونا»، وقد تواجه الاكتظاظ وخطر تفشّي الوباء. ولم تلحظ وزارة التربية في خطتها أيّ تدبير يشمل المدارس الخاصة خصوصاً أن العام المقبل سيكون مستعراً على مستوى النزاعات بين الأهالي والإدارات المدرسية، وبعد أن يتّضح أن المدارس الخاصة لن تحصل على مساعدات فرنسية أو من خزينة الدولة تكفي طموحاتها المالية.