مع إعلان وزير التربية طارق المجذوب افتتاح العام الدراسي حضورياً هذا العام، غلب على ردود الفعل الهمّ الاقتصادي وتدنّي الرواتب وارتفاع الكلفة التشغيلية للمدارس وتعذّر الانتقال إليها نتيجة أزمة المحروقات، في مقابل تراجع الحديث عن مخاطر التعليم الحضوري في ظلّ انتشار المتحوّر «دلتا» والموجة الثالثة من الوباء الذي بدا كأنه لم يعد بنداً أوّل على أجندة المديرين، وفي رأس سلّم أولويات الأهل.
وزارة التربية، من جهتها، تبدو مطمئنة إلى أن اعتماد بروتوكولها الصحي في المدارس الرسمية والخاصة سيؤمّن الحماية اللازمة للمعلمين والتلامذة، و«خصوصاً أننا اكتسبنا في السنتين الماضيتين خبرة في هذا المجال»، وهو ما أبلغته الوزارة الى المرجعيات الصحية، بحسب رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي.
وفق ما جاء في المؤتمر الصحافي الأخير للمجذوب، الأسبوع الماضي، استندت الوزارة إلى تغيير التوصيات والتدابير بشأن مؤشر كورونا ومتحوراته، الى «منظمة الصحّة العالميّة وغيرها من المرجعيّات التي قلَّصت مسافة التباعد إلى نحو متر، وشدَّدت على تأمين التهوئة كتدبير إلزامي مع استخدام الكمامة، أي أنّه يمكن لتلميذين الجلوس على مقعد مشترك واحد، ما يسمح بالتعلُّم الحضوري». أمّا بخصوص الفحص السريع أو الـ rapid test والـ PCR، فقد «تأمّن بشكل مجّاني للقطاع التربوي، الخاص والرسمي. وهناك خطّة للفحص ستنفّذ مع المتخصّصين من المراجع الصحيّة. وبالتعاون مع الصليب الأحمر، افتُتحت وحدة في الوزارة لإدارة الأزمات تضمّ خطاً ساخناً لمواكبة العودة إلى المدرسة ولوحة dashboard تَعرض حالات فيروس كورونا المُسجّلة. وتنسق الوحدة مع وزارات الصحّة والشؤون الاجتماعيّة والداخليّة والعدل عند الاقتضاء في بعض الحالات المتعلقة بسياسة حماية التلميذ».
يوافق عراجي على كلام الوزير حول أهمية عدم خسارة عام دراسي ثالث، «إلا أن الخطر لا يزال موجوداً، والاختلاط بين التلامذة لن يكون مزحة لمجرد حدوث أي خلل في تطبيق البروتوكول، ولا سيما في المدارس التي تضم صفوفاً وملاعب ضيقة حيث يصعب تحقيق التباعد الاجتماعي. كذلك لا يمكن الركون كثيراً إلى ارتفاع أعداد الملقّحين واستقرار حجم الإصابات، وخصوصاً أن لدينا 500 مريض بين العناية الفائقة والغرف العادية، والمستشفيات غير جاهزة لأي تطور في الفيروس وأي متحوّر جديد، في حين أن فصل الخريف يمثّل بيئة حاضنة لتكاثر الفيروسات، ومن ضمنها كوفيد 19».
من يضمن تطبيق التباعد في المدارس النائية المكتظّة؟
وزارة التربية تراهن على أن المدرسة أكثر أماناً من الشارع والملاهي، وتبني على تجربة الامتحانات الرسمية للمضيّ في التعليم الحضوري. وتؤكد مصادر الوزارة أن ثمة إجراءات أخرى «متروكة لحين انطلاقة العام الدراسي في 27 أيلول وتنتظر اختبارها على الأرض». فالفرص بين الحصص، مثلاً، «ليس توقيتها مقدّساً ويمكن تقسيم التلامذة بحسب الحلقات التعليمية منعاً للاكتظاظ في الملاعب».
لكن كيف تضمن الوزارة تطبيق البروتوكول الصحي بتفاصيله؟ عراجي دعا إلى العمل على خطين متوازيين: تسريع وتيرة تلقيح الأساتذة والتلامذة من عمر 12 وما فوق، وتعيين مراقبين من التفتيش التربوي في كل المدارس الرسمية والخاصة للتأكد من حسن تنفيذ التدابير الوقائية.
الوزارة لم تحدد حتى الآن الحد الأقصى لأعداد التلامذة في الصف، على غرار السنة الماضية، أي 18 تلميذاً، أو 12 في الصف الصغير، وهو ما كان يمكن اعتماده في التعليم المدمج (حيث يقسم التلامذة إلى مجموعتين)، ويتعذّر تطبيقه في التعليم الحضوري، بحسب رئيس رابطة المعلمين الرسميين مدير مدرسة الغسانية الرسمية حسين جواد. وهو لم يستبعد «تكديس» الطلاب في الصف ولا سيما مع قرار عدم السماح بتعاقد جديد مع أساتذة أو حتى الاستعانة بهم على حساب صندوق المدرسة. لذلك، «بدلاً من أن نوزع 80 تلميذاً على 3 شعب سنضعهم في شعبتين، وليس هناك خيار آخر»، لافتاً إلى أنه لم يكن هناك التزام بالبروتوكول العام الماضي.
المدارس الخاصة الكبيرة، من جهتها، «ستعود مع أقصى درجات الحيطة والتشدد في تطبيق الإجراءات الوقائية». وبحسب الأمين العام للمدارس الإنجيلية نبيل القسطا، «سنتعاطى مع الواقع على أنه حالة طارئة وليست سليمة، وسنكون أكثر تشدداً من العام الماضي، وقد رتّبنا المقاعد الدراسية مع وضع حماية لكل تلميذ ومراعاة التباعد الاجتماعي، واشترينا أدوات التنظيف والمعقّمات مع تأمين الفحوصات اللازمة للطلاب»… وهي أمور ليست متوافرة بالضرورة للمدارس الرسمية وتلك المكتظّة، وخصوصاً في الأرياف والقرى.