IMLebanon

علم النفايات الجامعي ومحاضرة الوقود والنقود !

لنتأمل عميقاً، لبعض الوقت، في أزمة النفايات في لبنان، فماذا نكتشف؟ بعد مراجعة من مختلف الجوانب سنخرج بنتيجة تفيد بأن أزمة النفايات هذه، هي أعظم درس في علم الاجتماع، وقد تتحول الى مادة تخرج من الجامعات بدرجة الدكتوراه! وهذا الدرس سيستفيد منه اللبنانيون والمجتمع اللبناني بفئاته الشعبية والثقافية فقط، ربما باستثناء شريحة واسعة من الطبقة السياسية الموروثة، داخل الحكم وخارجه. لماذا هذا الاستثناء؟ لسببين: الاول، هو ان تكوينها غير قابل للاتعاظ وأخذ العبر والثاني، هو انها جعلت من ممارسة السياسة والحكم مهنة للارتزاق والاثراء المشروع وغير المشروع. وعندما تصيب لوثة المال والثروة الحاكم أو السياسي فانه يصاب بمرض العطش كلما شرب الماء، ومرض الجوع كلما أصيب بالتخمة من كثرة الأكل! وهكذا تتحول خزائن المال عندهم الى الكلام بلغة واحدة وجملة واحدة، وتصبح لغتها مثل لغة جهنم، وكلما استقبلت دفعات من الوقود أو النقود سألت: هل من مزيد؟!

البداية كانت مع مطمر الناعمة الذي أصيب بالتخمة. وتوهمت شركة الساكتين على شركة سوكلين أن المطمر مثل خزائن المال عندهم يتسع للمزيد بلا نهاية. وقام أهالي المنطقة بالقاء الدرس الأول على السياسيين والحكم، وقطعوا الطريق بقوة الأمر الواقع على شاحنات النفايات! وكان الدرس الأول هو أنه عندما تصاب السلطة بالعمى وتفقد رشدها وتسقط في الفراغ، فان الناس يقومون بملء هذا الفراغ وينفذون السلطة بيدهم! والدرس الثاني، هو سقوط الولاء السياسي والطائفي والمذهبي لدى هؤلاء الناس عندما يصطدم بصحتهم وصحة أبنائهم وعائلاتهم ويتحول الى قضية حياة أو موت! توجهت شاحنات النفايات الى مناطق أخرى فاذا بالشرارة التي انطلقت من مطمر الناعمة عمّت كل المناطق الأخرى دون استثناء يذكر. والعبرة كانت في أن ما لم يوحد اللبنانيين على أساس وطني أي لا مذهبي ولا طائفي ولا حزبي ولا مناطقي، وحّدتهم هذه الأزمة بالذات. وما لم يوحدهم في أزمة الماء وأزمة الكهرباء، وحّدهم في أزمة النفايات!

الطريق الى حل أزمات النفايات والحكم والدولة والسلطة والوطن هو اخراج الزبالة من سوق الفساد والارتزاق غير المشروع، وسيتبعها لاحقاً اخراج أزمات الكهرباء والماء وغيرهما أيضاً من تلك السوق. ويوماً ما ستخرج الناس مرة أخرى لتطهير البلد من النفايات السياسية أولاً!