IMLebanon

كبسة زر!

 

 

“حياتنا تنتهي في اليوم الذي نصمت فيه عن الأمور المهمة” – مارتن لوثر كينغ

كيف لهذا العالم الذي أنجز ما أنجزه من اكتشافات واختراعات وإنجازات علمية كبرى، تُعَدّ ولا تُحصى، تبدأ ولا تنتهي في أهم إحصاءات وإحصائيات بيانية علمية كبرى على سلّم أولويات أعلى تكنولوجيا رقمية ذكية عليا في تاريخ عالمنا تاريخياً، التي تجاورت ما كان بالنسبة إلى أهم المراكز العلمية العليا، والجامعات العالمية الكبرى، والمعاهد المختصة والمتخصّصة في أدق البحوث والدراسات الفيزيائية الحتمية المطلقة والفيزياء الكمية النوعية المطلقة، من النقطة-صفر إلى المادة المطلقة. أن يصل بنا إلى إن تضع بضعة “روبوتات” رأس، أو مستقبل هذا العالم تحت رحمة “كبسة زر اصطناعية واحدة” صغرى.. كبسة واحدة فقط من “روبوت اصطناعي مستقل يعمل تلقائياً ” من هنا، أو كبسة زر من “روبوت اصطناعي مستقل” آخر يعمل تلقائياً من هناك في هذه الأيام الوجودية المطلقة، بامتيازات وجودية مطلقة يتخلّلها شيئاً من الوجودية العبثية المطلقة، وأشياء أخرى من أشكال الوجودية العدمية المطلقة!

“السؤال ليس هل سنصبح متطرّفين أم لا، السؤال هو أي نوع من المتطرّفين سنصبح؟ إنّ الأمة والعالم في أمس الحاجة إلى متطرّفين مبدعين أذكياء”. مارتن لوثر كينج يخاطب في هذه المقولة التاريخية الأمة الأميركية “أولاً” والعالم في ستينيات القرن المنصرم قبل اغتياله في عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية “واشنطن دي سي” على يد أحد المتطرفين “غير المبدعين” إطلاقاً عن سابق إصرار وترصّد. متطرّفي عتمة الغرف السرية المغلقة والغبية في الدولة العميقة المغلقة على نفسها الغبية المغلقة. الدولة العميقة المطبقة على صدر هذا العالم. عالم الظلمة والعتمة واليد العليا القاتلة. عالم الرصاصة العليا الكاتمة التي لا يمكنها أن تبدّد الظلام، الضوء وحده يمكنه ذلك. عالم الكراهية التي لا يمكنها أن تبدّد الكراهية، الحب وحده يمكنه ذلك. على الرغم من أني لا أحب أن أبدو رومنسياً في المسائل التاريخية الحاسمة والمحطات التاريخية، لكن للضرورة أحكام تاريخية، وللضرورة قوانين، – أحكام وقوانين وعي الضرورة – ضرورة الوعي.

هذا العالم تحوّل إلى عالم اصطناعي بامتياز اصطناعي قاتل. عالم أصبح يعيش ويموت خلف الشاشات الاصطناعية. عالم يعيش على الأوكسجين الافتراضي. الأوكسجين الاصطناعي. عالم يختبئ خلف إصبعه، يشبه ما يرى على الشاشات المحمولة في الجيب أو في صندوق الذكاء الاصطناعي الجماعي أو في صندوق الفرجة والإبادات الاجتماعية والمجتمعية والجماعي. عالم العقول المبرمجة على إيقاع الشركات الحاكمة الكبرى. الشركات العابرة للعقول من الخلية البيولوجية الفسيولوجية إلى الخلية الالكترونية الافتراضية المُشفّرة والحاكمة. صحيح، إنّ الابتكار أساس التطوّر والاستمرار، بشرط أن يكون الإنسان أمام مصيره وليس خلفه، أو سيقوم إنسان آلي أو روبوت بذلك. عندما تكون تحت ضغط، يجب الدفاع عن الأمور المهمة والمهمة فقط وقبل أي شيء. في حين يجب معرفتها وتعريفها. نعم، معرفتها أولاً وثانياً وثالثاً لأنّ السر يكمن في ترتيب الأولويات بشكل منهجي وابتكاري قابل للحياة. كما أنّه عند ترتيب الأولويات، لا يتعلق الأمر أو الفعل بما تَضمُّه أو تُضمِّنه لها، بل بما يستوجب استبعاده منها لأنّ الطريقة الوحيدة للتنبّؤ أو التخطيط – بمعنى أصَحّ للمستقبل، كما يقول “إريك هوفر”، هي امتلاك القوة لصنعه، وامتلاك الحجة والحاجة لصنعه، وامتلاك قبل كل شيء (الحكمة لاستمرار هذه الحياة) قبل كل شيء.

هذا العالم الافتراضي، وبكل تجريد وواقعية، أصبح حقيقة قائمة في متناول الجميع، إنّها تكنولوجيا الإنسان وأيديولوجيته الافتراضية الجديدة التي لم تَعُد افتراضية من جهة، في تطوّر خارق للآلة التي بدأت ومن دون أدنى شك، تحفر قبره وقبرها بسرعة تطوّرها في المقلب الافتراضي الآخر. المقلب الذي هو أسرع بكثير من حاجاتنا له في تراكمه الكمي. والحقيقة المرعبة في تحوّلاته النوعية، ونوعية تراكمه في سلبية مفرطة، وسلبية الاحتمالات المفتوحة على كل الاحتمالات. إنّه السلاح الجديد في إنتاج المِكر والجشع والتوغل الرأسمالي، في أقصى سرعته التي أصبحت في متناول أيدي أطفال الزمن الافتراضي – أطفالنا، أجيال المستقبل – بمقاييس جِد تقنية وحدود مطلقة في نسبيتها. إنّه عصر الآلة الأكثر تطوّراً وتباعداً في مقاييس غير مسبوقة، بالقياس إلى القدرات المسبوقة. عصر اختفاء الملامح والتفاصيل. عصر الاغتراب الذاتي والاغتراب الموضوعي بكل موضوعية افتراضية. عصر التباعد الاجتماعي بكل أشكاله وأنواعه الاجتماعية على الرغم من تقارب المسافات والأنفاس المسموعة في التقارب الزمكاني، أي في المكان والزمان نفسه واقعياً وليس افتراضياً.

أظهرت جميع البحوث والدراسات المخاوف بشأن تجاوز الذكاء الاصطناعي للذكاء البشري، والخروج عن نطاق السيطرة، لإلحاق الضرر بالبشري، الذي قد أصبح واقعاً وليس خيالاً علمياً، وفقاً لتقرير في صحيفة “واشنطن بوست”. إنّ العالم يعيش على وقع “كبسة زر ذكية” من خلال “آلة ذكية” أو إحدى “الروبوتات الذكية المستقلة بذاتها الذكية” في عصر “الذكاء” الاصطناعي المتفلّت. وأنظمة الذكاء الاصطناعي كأيّ أداة يمكن استخدامها في الخير أو الشر، وقد يلجأ البعض إلى استغلال تلك الأنظمة، في “تطوير أمراض وأسلحة بيولوجية فتاكة”، بحسب تقرير لصحيفة “تليغراف” البريطانية. في حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد أحد خبراء تكنولوجيا المعلومات، إنّ تحقيق سيناريو تخليق أسلحة قاتلة وفتاكة من خلال الذكاء الاصطناعي، أمر قابل للتحقيق والتنفيذ في المستقبل القريب. وبسبب “الصراع المتزايد” بين شركات تطوير الذكاء الاصطناعي من دون وجود ضوابط، فمن الممكن استخدام تلك الأنظمة الذكية لأغراض “خبيثة”، ما قد يتسبّب بكوارث قد “تدمّر البشرية”، وفقاً لخبير التكنولوجيا ذاك.

ويتفق معه خبراء تكنولوجيا المعلومات، الذين يشيرون إلى “جانب أسود وخطر” للذكاء الاصطناعي، فقد يتم استعمال تلك الأنظمة الذكية للأذية، نظراً لكون تلك الأنظمة قادرة على “التعلّم وتطوير نفسها ذاتياً من دون تدخّل البشر”. ويُحذّر الخبراء من استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوّر أسلحة “قاتلة وفتاكة”، ما قد يتسبّب في تداعيات “كارثية” على البشرية. ويرتبط استخدام الذكاء الاصطناعي في أغراض “مفيدة أو خبيثة”، بالبرمجة التي يقوم الإنسان بتغذية تلك الأنظمة بها، قبل أن تعمل على “تطوير نفسها لاحقاً بشكل ذاتي”، بحسب توضيح الخبراء. ويحذّر الخبراء أيضاً إلى مشكلة حقيقية تتعلّق بإمكانية تغذية تلك الأنظمة بـ “بيانات مشوّهة أو معلومات غير صحيحة، أو اختراقها من قِبل بعض الجهات التي قد تستخدم قدرات الذكاء الاصطناعي في غير موضعها”. وإذا اتصل الذكاء الاصطناعي بأشخاص لديهم اهتمام بتطوير “أسلحة مدمّرة”، فقد تتحوّل تلك الأنظمة إلى وسيلة “تدمّر كل شيء” في ظل امتلاكها قدرات “غير محدودة”، وفق خبراء التكنولوجيا الذكية القاتلة.

خطوة بخطوة إلى اللامكان كما يقول صمويل بكيت، لا أحد وحده يعرف كيف تؤدّي الخطى الصغيرة بعناد إلى اللامكان. صمويل بكيت، مؤلف “في أنتظار غودو” وكاتب “العبث” الأكبر والأجدر، لا يرى أنّ ثمة أمل حقيقي في أيّ شيء، بل هي لفحات سراب وبريق متاهة، والحياة هي، في محصلة الأمر، مأزق جوهري، ومسيرة عشوائية وتكرارية تخلو من المعنى الخلوّ كلّه. كما لم يكن تشاؤم هربرت ماركوزه في مسألة الانسان والحضارة والقمع ناجماً عن تأمّل فلسفي في خَلَل حضاري عابر أو في أزمة مؤقتة في الثقافة، بل هو متأتٍّ عن تفكّر نظري طويل في منحى التاريخ البشري نفسه وتبصّر متهكّم في مكره وإعادة إنتاجه لمثالبه وأزماته. هذا المنحى بات الاغتراب هو جوهره ومحرّكه، منذ أن بدأ مبدأ الواقع يتحكّم بقوة في مبدأ الرغبة ويشيؤها، فاصلاً فصلاً لا رجعة فيه بين قوى الحياة الخلاقة وقوى العمل المنتج والتراكمي، أي منذ أن بدأ “إيروس ينفصل عن الحضارة” التي لم تعد تكتفي بالقمع بل بإنتاج فائض قيمة تراكمي من القمع. ربما لم ينظر أحد إلى القمع (وهو استثمار أعلى للكبت الفرويدي) ومكوّناته العميقة بتلك الرهافة الفلسفية مثل هربرت ماركوزه.

 

منذ نصف قرنٍ أو ما يزيد لم تتوقف هوليوود عن صناعة الأفلام “الخارقة”، كما تسمى في الأروقة الخفية خلف الستارة وكما جرت العادة في صالات السينما التقليدية. أفلام مثل سلسلة حرب النجوم والفضاء والرجل الآلي وصولاً إلى عصرنا هذا عصر الذكاء الاصطناعي القاتل. سنة 1987، على سبيل المثال وليس الحصر، عرضت الصالات السينمائية في العالم فيلم روبوكوب Robocop للمخرج بول فيرهوفين. في تلك الأيام بدأت الروايات العلمية والإعلام والصحافة، وتالياً السينما، تتناول موضوع التطوّر التكنولوجي الهائل في عالم الحاسوب وصولاً إلى السايبورغ الرجل الآلي. وقد أظهرته السينما بصورة الشرطي الذي لا يتراجع في المواجهات قبل اتمام المهمة، وقد قضى على كل الأشرار والمجرمين الواحد بعد الآخر، بعنفٍ شديدٍ ومن دون رحمة. في فيلم روبوكوب، ينطلق الشرطي الآلي في مهمة مؤازرة لعناصر الشرطة الآدميّين. ونراه يتعامل مع الأشرار بأخلاق عالية مردّداً الإرشاد والنصح بحسب البرمجة في ذاكرته الحاسوبية. وإذ حصد هزء المجرمين واحتقارهم، (تمرّد من تلقاء ذاته) واتجه إلى محوّلٍ كهربائي تزوّد منه بالطاقة وانطلق من جديد إلى تصفية الأشرار بعنفٍ غير مسبوق ممّا يؤشر إلى خروج الآلة عن السيطرة.

نحن الآن نعيش في عصر التطوّرات الهائلة في مجال صناعة الرجال الآليّين وعلوم الذكاء الاصطناعي والعقول الإلكترونية التي سبقت الإنسان بأضعافٍ مضاعفة. ومن تلك التطوّرات ظهور نموذج اختباري للذكاء الاصطناعي مقبل إلينا من اليابان – SAKANAI AI – وقد تم تطويره بالاشتراك مع جامعتَي أوكسفورد البريطانية وكولومبيا الأميركية. يستطيع هذا الذكاء الاصطناعي، أن يقوم ببحث علمي متكامل، وحتى بإمكانه، أن يُطوّر فكرة علمية من أجل القيام ببحث حولها. ولا يحتاج هذا النظام، إلى أن نقترح عليه مسألة ونطلب منه إقامة الأبحاث عنها. فهو يخلق الفكرة ويحلّل تفاصيلها ويقوم بدراسة كافية وافية متكاملة عنها من دون أي تدخّل بشري. نعم، نحن نعيش الآن عتبة التحوّل إلى عالم الذكاء الاصطناعي المتطوّر جداً، الذي بدأ يُفلِت من يَد الإنسان ويتمرّد عليه. نحن نعيش الآن ونشاهد بأم العين ظهور الطبيب، المهندس، المحامي، الفني، الطاهي، الكاتب، الرسام، الطيار والأستاذ، وكل مهنة على الأرض تقوم بها الحواسيب وكل أنواع الروبوتات. الذكاء الاصطناعي، أو الغول الذي خرج من عقولنا الباطنية بحجة التكنولوجيا الذكية والعصرنة والحداثة والتطوّر والتقدّم الحضاري والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ممكن أن يتحوّل إلى آلة تدمير ذكية في أي لحظة بمجرّد كبسة زر آلية ذكية بحسب المعلومات الذكية في ذاكرته الآلية الذكية المستقلة.

لم يَعُد خافياً على أحد دخول “الروبوتات القاتلة” و”أخواتها” الخدمة العسكرية وخدمات أخرى في عصر توحّش التكنولوجيا الذكية وتوغّلها. كما لم يَعُد خافياً على أحد حجم المخاطر الكبرى التي تواجه عالمنا اليوم لأنّ شركات وشركاء الذكاء الاصطناعي يحاولون حالياً استخدام التكنولوجيا الذكية في صنع الأسلحة المستقبلية بشكل يلغي أي سيطرة بشرية تذكر. في حين، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ شركات الذكاء الاصطناعي تحاول حالياً استخدامه في صنع الأسلحة المستقبلية بشكل يلغي أي سيطرة بشرية، ما يهدّد العالم بمخاطر كبيرة. وقال بعض المسؤولين الأميركيّين: “إنهم يشعرون بالقلق من إمكانية استخدام هذه القدرات قريباً لتنفيذ هجمات إرهابية”. من دون أن يخبرنا بعض أؤلئك المسؤولون الأميركيّون عن كيفية تسرّب أو تسريب أسلحة ذكية بهذه الخطورة إلى جهات إرهابية بهذه السهولة. أصبحنا في عالم يحتاج إلى فهم أكثر من حاجته إلى المعرفة كي لا يختلط الأمر علينا بين تسرّب الأسلحة الذكية الفتاكة أو تسريبها. نعم، أصبحنا في عالم يحتاج إلى فهم أكثر من حاجته إلى معرفة كيف تطوّر الذكاء الاصطناعي إلى أن تصبح الروبوتات قادرة على اختيار الأهداف الذكية ومهاجمتها من دون أي تدخّل من البشر الذي يُعَد بمثابة “ثورة السلاح الثالثة” في عالم السلاح، بعد سلاح البارود والسلاح النووي.