الوضع الداخلي المتوتر منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان، كان يعالج بالمهدئات والمسكّنات، والحلول الآنية المبنية على رمل، ما زاد في تعميقه وازدياد اتساع رقعته، خصوصاً مع استمرار تعطيل الدستور، من قبل فريق 8 اذار، الذي ما زال حتى الساعة يرفض احترام الاستحقاقات الدستورية، وينحو باتجاه تعميم الفوضى والفراغ على جميع نواحي الحياة اليومية للمواطنين، على الرغم من ان مرشحين اثنين ينتميان الى هذا الفريق يتزاحمان على منصب الرئاسة وحيدين، ومع ذلك ما زال هذا الفريق يرفض الذهاب الى مجلس النواب لانتخاب رئيس من عظام رقبته، ضارباً عرض الحائط ومتجاهلاً المعاناة الشديدة الكارثية التي يواجهها المواطن اللبناني على كل صعيد، وواضعاً العقبات والعراقيل ليس فقط في طريق الحكومة ومجلس النواب، بل في طريق اختيار رئيس للجمهورية. فهذا الفريق يرفض مرشحاً من 14 آذار، حتى ولو كان يملك الاكثرية النيابية، بمثل ما يرفضه من 8 آذار ان لم يكن المرشح الذي يريده، وفي الوقت ذاته، يرفض اي مرشح وسطي او توافقي، وليس منتمياً لأي طرف سياسي، والانكى من كل هذا، ان نواب 8 آذار، قادرون بعد تفاهم العماد ميشال عون مع الدكتور سمير جعجع، على انجاح مرشحهم العماد عون اذا وحّدوا صفوفهم و«شرّفوا» الى مجلس النواب ومارسوا الحد الادنى من الديموقراطية.
في المقابل يواجه اللبنانيون يومياً ازدياداً مخيفاً في اعداد العاطلين عن العمل (43 بالمائة)، وتسريحاً لمئات العمال والموظفين، واقفالاً للمؤسسات والمحال والمطاعم، وركوداً في التجارة والتسويق والتصدير، وانهياراً في النمو والانتاج وموارد الدولة، وارتفاعاً غير مسبوق في الهدر والانفاق السياسي والطائفي والمذهبي، وفي اسعار الحاجيات والسلع، وفي عدد اللبنانيين الذين اصبحوا دون خط الفقر، كل ذلك في مجتمع، تنمو فيه الجريمة كالفطر، وتركع الدولة امام المسلحين وقطّاع الطرق وحملة السكاكين والاسلحة المرخّصة وغير المرخصة، وامام اكوام الزبالة والمستفيدين منها والغارقين فيها.
هذه «الزعامات» التي تفتش على الزعامة والكراسي والسلطة والسيطرة، من اي فريق كانت أو من اي طائفة ومذهب، هل تعلم ما هي مشكلة الشاب اللبناني اليوم ؟؟ مشكلته انه يفتش بالسراج والفتيلة على سفارة تحنّ عليه بتأشيرة ليهرب من وطنه ومن وجوه هذه الطبقة الحاكمة الفاسدة، والمستبدّة، ومن الذين يستدرجون الخراب الى داخل لبنان، ومن الغريب الذي ينتزع منه لقمة العيش.
قال مرّة زياد الرحباني «انا مش كافر، بس الجوع كافر…» الاكثرية الساحقة من اللبنانيين تكفر اليوم بالحكّام الفاسدين، وبالقيادات والمسؤولين الذين لا يعنيهم شيء سوى كيف الانتصار على خصومهم، بالقوة، مليح، بالترهيب، مليح، بالتعطيل مليح، ولكن بالدستور والقانون والديموقراطية «يفتح الله ويخيّطوا بغير هذه المسلّة».
لا يمكن وصف الوضع القائم اليوم سوى ان «الشعب في واد وهؤلاء كلهم في واد آخر»، هناك انقطاع كامل بين ما تفكر به الاغلبية الساحقة من الناس، باستثناء عبدة الاشخاص، وهؤلاء الاشخاص.
همّ الناس، الأمان، السلام، راحة البال، لقمة العيش، العيش المشترك، المدرسة، المستشفى، النمو، وليس السلاح والخوف، والقلق والمناصب، والحرب، والقتل، وعباد الكرسي.
ان همّ العائلات اللبنانية في هذا الظرف المحقون، ان تنعم الدول العربية الشقيقة بالأمن والبحبوحة ليبقى ابناؤها يعملون وينتجون ويؤمّنون معيشة اهلهم واقاربهم، ويساهمون في بناء وطنهم وتنميته، بعد فشل هذه الطبقة بتأمين ابسط واجباتها تجاه شعبها وناسها.
منذ العام 1973 واللبنانيون يفتشون عن السلام في دولة اختاروها وطناً، ولكن هناك دائماً من يفسد عليهم هذا الحلم، والسؤال الى متى؟؟