ما إن أنهى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خطابه، الجمعة الماضي، حتى انطلقت سيمفونية الاتهامات بالاستفراد وأخذ البلد الى المجهول. «دبّت» الروح في صقور تيار المستقبل، وصدرت تصريحات لنواب وقياديين كانوا قد بلعوا ألسنتهم منذ فترة، ووصل الأمر بالنائب الإخواني القريب من المستقبل عماد الحوت الى حدّ اتهام حزب الله بـ»التنسيق» مع إسرائيل لتنفيذ عملية شبعا! وبلغت الحملة ذروتها، أول من أمس، مع «المايسترو» فؤاد السنيورة الذي وصف كلام نصرالله بـ«المتسرّع ويلغي إرادة الشعب اللبناني ومؤسساته الدستورية التي التزمت باحترام القرار الدولي الرقم 1701».
بدت مواقف رئيس الحكومة السابق، ومن سبقه ولحقه، وكأنها إعلان لانهيار الهدنة الاعلامية غير المعلنة بين حزب الله وتيار المستقبل منذ انطلاق حوار عين التينة في 23 كانون الأول الماضي. كذلك بدا أن السنيورة، غير الراضي عن هذا الحوار والذي استبعده الرئيس سعد الحريري عنه، قد نال أخيراً فرصته لإطلاق النار على حوار لم يقتنع يوماً بجدواه، ولطالما ردّد أن «لا فائدة منه».
وهو ما عبّر عنه صراحة، في مناسبة اجتماعية أخيراً، بالقول على مسامع الحاضرين إنه «لا إمكانية للاستمرار في هذا الحوار بعد عملية شبعا». كان السنيورة، بحسب أحد الحاضرين، «بالغ الاستياء وغاضباً»، وقال: «لا أستطيع أن أصمت أكثر، ولا أظن أن المملكة العربية السعودية تقبل بما نقوم به الآن… لكن، على أي حال، لننتظر توجّهاتها».
فهل أطلق السنيورة رصاصة الرحمة على حوار عين التينة عشية انعقاد جولته الخامسة؟
محسوبون على الجناح «الحمائمي» في تيار المستقبل يؤكّدون أن لا قرار بإنهاء الحوار، وأن الأجواء التي أشاعها بعض أصحاب «الرؤوس الحامية» لا تنطبق على أصحاب القرار في التيار، مؤكدين أن «أصحاب القرار لا يوافقون على تعميم هذه المواقف على التيار ولن يسمحوا بذلك، وهذا الأمر سبق أن عبّر عنه الرئيس الحريري ومستشاره نادر الحريري أمام من التقوهما في باريس والرياض».
الأجواء التي تشيعها
«الرؤوس الحامية» لا صدى لها لدى أصحاب القرار في المستقبل
كذلك سبق أن عبّر عن ذلك أحد أبرز مؤيدي الحوار وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كرّر، بعد عملية شبعا، أن «لا بديل من الحوار»، لأن ذلك «سيعيدنا إلى المشاكل والتوترات الأمنية التي تُصيب مناطق المستقبل قبل المناطق الأخرى». وفي رأي المشنوق، إن «استمرار الحوار، رغم كل الصعوبات، يُساعد في مناقشة حزب الله مع الاحتفاظ بحقنا في قول كل ما نريده حتى لو هاجمناه، لكن في إطار منضبط»، وبذلك يكون الحوار «مصلحة لنا أولاً وأخيراً، لأن الحزب مهما اختلفنا معه أو عليه ، يظل لاعباً سياسياً قوياً يستحيل تخطّيه».
مؤيدو استمرار الحوار يصفون كلام السنيورة وغيره بأنه «منطقي»، لأن هذا الجناح «لم يتقبّل يوماً أن يكون هناك خطّ اتصال مفتوح مع حزب الله، لأنهم يرون أن المستقبل بذلك يُغطّيه سياسياً». وتضيف المصادر: «هذا الكلام سمعه الرئيس الحريري أكثر من مرّة، لكنه أصرّ على موقفه الذي تدعمه المملكة العربية السعودية. كذلك فإن السنيورة نفسه سمع من بعض أصحاب القرار في الرياض أنهم هم من دفعوا رئيس تيار المستقبل إلى هذا الموقف نتيجة اقتناعهم بضرورة تحييد لبنان عما يحصل في المنطقة، وهذا لا يُمكن تحقيقه إلا من خلال محاورة الحزب، ولو شكلياً، وبالتالي ليس مسموحاً لأي كان بالتشويش عليه». المصادر نفسها استبعدت أي تغيير في سياسة المملكة الخارجية في شأن الملف اللبناني، على الأقل في المدى المنظور. وعليه، فذلك يعني أن «جلسات الحوار الثنائي ستستمر إلى ما شاء الله»، علماً بأن «ما حصل في شبعا أخيراً لن يذكره وفد المستقبل إلا في جلسة واحدة لاحقة من باب تسجيل الموقف والاطمئنان إلى عدم جرّ البلد نحو حرب مفتوحة، لا من باب فرض شروط لاستكمال الحوار». وهنا، تقول المصادر، فإن «التحليلات التي تتحدّث عن إمكانية أن يتراجع المستقبل عن خطوته هذه، لا أساس لها. وحتى لو علت الأصوات المعارضة لها، يبقى الجناح المؤيد الذي يضُم أولاً نادر الحريري ونهاد المشنوق، أقوى وأكثر فعالية من جناح الرئيس السنيورة حالياً». والأهم أنه «لن يتمادى السنيورة أكثر لعلمه بأن قرار الحوار مبارك سعودياً وأميركياً».