Site icon IMLebanon

إنتاج محلّي لثمار بحرية تُدغدغ حاسة الذوق

 

قريدس بلدي وسومون شغل الهرمل… لـ”الذوات”

 

في عكار وتحديداً على طريق العبدة الساحلي مزرعة يصعب على المارين جنبها تخيّل ما تحويه. منتجاتها لا ترعى سعيدة في أرجائها، بل تسبح في بركها. فهي المزرعة الأولى من نوعها في لبنان لإنتاج القريدس هذه الثمرة البحرية التي يهواها الذوات والذويقة. ومن يتجه إلى الهرمل يفاجأ بمزارع مختلفة عن تلك التي اشتهرت بها المنطقة، مزارع على نهر العاصي لأسماك الترويت التي اكتست لوناً برتقالياً وتحولت إلى سلمون.

ثمار بحرية دغدغت لعقود حلق اللبناني الذويق ومعدته ولا يزال طعمها المميز تحت اضراسه. لكن الأزمة جعلت معظم هذه الأصناف «صرحاً من خيال فهوى» ولم يبق منها في الذاكرة إلا مذاق يكاد غلاء الأسعار يبدد آثارها. لكن اللبناني ملك التأقلم وبدل أن يستغني عن اصنافه المفضلة أوجد لها بدائل محلية تنعش الاقتصاد والذوق… وصار بإمكاننا ان نفخر بقريدس بلدي وسومون شغل الهرمل…

 

بين الأوائل في المتوسط

 

أكوافارم هي مزرعة مائية انطلقت في العام 2001 كفكرة رائدة أوجدتها حاجة السوق المزدهرة حينها واعطتها الأزمة الحالية موقعاً متقدماً. يستورد لبنان سنوياً 1700 طن من القريدس استطاعت مزرعة أكوافارم أن تساهم بانتاج 2% من الاستهلاك المحلي. قريدس «بلدي وطازج» لا يختلف جودة ونوعية عن أفضل أنواع المستورد. مسعد أشبع صاحب المزرعة والخبير في شؤون تربية الأسماك والقريدس يشرح تفاصيل مهمة عن هذه الثمرة البحرية: ما يستورد الى لبنان هو قريدس تم تثليجه على الأقل لمدة ستة أشهر ما بين «حصاده» وتهيئته وتعليبه وشحنه ثم إيصاله الى التجار ومن بعدهم الى المطاعم والمستهلك. وغالباً ما تتم إضافة مادة السولفيت الى القريدس لتكون حياته أطول وحتى لا يتحول لونه الى أسود متى وضع على طبقة من الثلج. أثناء تربية القريدس في المزارع قد يصاب بفيروس ويموت في الحوض وسرعان ما ينتقل هذا الفيروس بسبب المياه الملقاة في البحر من مزرعة الى أخرى. أحياناً حين يصاب القريدس بالفيروس يزال من الماء ويتم بيعه للاستهلاك الفوري. وتبدو لحمة هذا النوع «المضروب» غير جيدة، لا تسبب تسمماً لكنها قد تحدث إسهالاً ويباع بنصف ثمنه. من المعروف أن للقريدس سعراً عالمياً وفقاً لأحجامه فإذا كان مثلاً يباع بأرضه ب10$ فالمضروب قد يباع بخمسة ومن هنا يجب دائماً الخشية من الأسعار المتدنية التي قد تنبئ بجودة مشكوك بها.

 

لحسن الحظ مشكلة الفيروس هذه تبقى بعيدة عن الانتاج اللبناني لعدة اسباب أولها وفق ما يقول السيد أشبع ان في لبنان مزرعة واحدة فقط ولا يمكن أن تلتقط العدوى من سواها كما أن بيوض القريدس التي يتم استيرادها هي دوما خالية من الأمراض حتى تكون مربحة فلا يذهب تعب تربيتها سدى إذا اصيبت بفيروس. أما السعر الذي يباع به القريدس المحلي فهو مماثل للسعر العالمي واسعار المستورد المتداول في السوق. وحين نسأل عن سبب تعادل السعر بين البلدي والمستورد في حين يجب أن يكون الانتاج المحلي أقل سعراً نظراً لعدم تحمل تكاليف شحنه وغيرها يجيب صاحب المزرعة أن كلفة الانتاج المرتفعة اضطرتهم للبيع بسعر السوق إنما يبقى الفارق الأساسي في النوعية. فالقريدس اللبناني يباع من الماء مباشرة للاستهلاك الفوري أو يتم تجليد الكميات المتبقية بأساليب حديثة ومضمونة ليتم استهلاكها لاحقاً. كما أن بعض الزبائن العارفين بخفايا تربية هذا الصنف «الفاخر» يطلبون عدم إضافة مادة السولفيت إليه لأنهم يودون تناوله على الفور فيكون بذلك طعمه مميزاً وخالياً من اي مواد حافظة. والجدير ذكره ان مزرعة أكوافارم تم اختيارها من بين أفضل المزارع حول المتوسط من قبل منظمة الفاو العالمية ما يشير الى أن لبنان بإمكاناته المتواضعة قادر أن يستثمر في بحره ومناخه ويرتقي بإنتاجه الى مصاف أهم الدول المنتجة للثروة البحرية.

 

انتاج القريدس في الموسم الواحد يصل الى حدود 30 طناً والمزرعة لا تنتج أكثر من موسم واحد في السنة حين يكون الطقس دافئاً والمياه كذلك دافئة أي بين شهري نيسان وتشرين الأول اذ تكون الحبة قد بلغت حجمها النهائي. والحبة المنتجة محلياً هي دوماً من الحجم الكبير لأنها تباع بسعر جيد وتعود على صاحب المزرعة بالربح.

 

زبائن القريدس في لبنان مطاعم وأفراد باتوا على موعد سنوي مع «القريدس البلدي» يتموّنون منه كما يتموّنون الزيتون والكشك…» بعض المدمنين على الصنف يتموّنون عشرين كيلوغراماً وأكثر ويحتفظون بها في ثلاجاتهم لأوقات «الكيف» أما المطاعم فتحجز مونة سنوية و قد حجزت لموسم الأعياد مسبقاً بحيث تم تصريف موسم القريدس بأكمله من المزرعة».

 

سومون يرضي غرور اللبناني

 

أخبار مطمئنة بشأن القريدس ولكن ماذا عن السومون سيد المآدب في الأعياد؟ هل بدأ اللبنانيون يتقبلون الانتاج المحلي منه ام لا يزالون ينظرون الى الترويت المسلمن Truite Saumonee على أنه درجة ثانية لا يرضي غرورهم وذوقهم المرهف؟

 

كان من الصعب على الذوق اللبناني أن يتقبل هذه السمكة التي سعت لطرح نفسها كبديل عن السلمون لكن الأزمة المالية التي اصابت لبنان ضربت اصنافه الفاخرة وتشظى معها السومون، مدخناً كان أو فيليه أو سمكة كاملة، الى أن جاءت النجدة عبر مزارع تربية سمك الترويت المسلمن التي استطاعت انتاج أصناف قريبة جداً من السلمون وقدمتها للمستهلك اللبناني طازجة من الهرمل… على ضفاف نهر العاصي نشات صناعة غذائية سمكية استطاعت أن تثبت نفسها وتؤمن للسوق اللبناني وللاسواق العربية المحيطة منتجاً جيداً بنوعيته وأسعاره. حوالى 150 مزرعة لتربية سمك الترويت والترويت المسلمن تنتج حتى 13000 طن من الأسماك سنوياً ساهمت في إحداث نهضة اقتصادية في الهرمل.

 

قريدس بلدي

 

لكن رغم ذلك لا يزال هناك لغط بين محبي السلمون حول أحقية هذه الاسماك بحمل اسمها. لذلك كان لا بد أن نسأل أحد اصحاب هذه المزارع عن الفرق بين السمكتين وما الذي تتم تربيته بالضبط في المزارع اللبنانية؟ محمد العميري صاحب مزرعة La Truite والخبير بهذا الشأن شرح لنا أن عائلة سمك السلمون تضم 43 نوعاً والترويت هو أحد هذه الأنواع. يكتسب الترويت لونه المحمر حين يعيش في النهر ويتناول نوعاً معيناً من الغذاء يحتوي على مادة الكاروتين. ولكي يصنف ضمن عائلة السلمون لا بد أن يتميز الترويت بمعايير محددة مثل لون اللحم وشكل هيكله العظمي وعدد الحسكات فيه إضافة الى غناه بنسبة معينة بالأوميغا 3. في فرنسا يقومون بتهجين صنف معين من سمك الترويت بحيث يتم تلقيح بويضاته من سمك السلمون فتأتي النتيجة سمكة هجينة تشبه السلمون الى حد كبير وتعيش في المياه الحلوة. هذا الصنف الهجين هو الذي نستورد بيوضه لنربيه في مزارعنا يقول العميري.

 

بداية كانت أسماك المياه الحلوة غير مطلوبة في لبنان لكن مع تقريبها شكلاً ولوناً وطعماً من السلمون باتت مقبولة ومطلوبة ويمكن أن تحل محل السومون المستورد من النروج او اسكتلندا. فهي أرخص سعراً وتتمتع تقريباً بالمواصفات ذاتها مع نسبة دهون أقل من السلمون.

 

السلمون المنتج في المزارع بات اليوم متوافراً في معظم مطاعم السمك والسوشي كما في المسامك والسوبرماركت. وهو يباع على شكل سمكة كاملة او فيليهات او حتى سلمون مدخن. وهو اقل سعراً بالتأكيد من السلمون النرويجي الذي يباع الكيلو منه ب11،50$ فيما المحلي يباع ب 8$. ويخضع السعر لتقلبات الموسم فيكون أرخص في الصيف حيث تتكاثر الأمراض ونسبة موت الأسماك ويصبح هناك ضرورة لإخراجه من الماء وبيعه، بينما في الشتاء ومع موسم البرد والأعياد وكثرة الطلب ترتفع الأسعار. أما بالنسبة للسلمون المدخن فقد بات الإقبال عليه شديداً في السوق اللبناني لا سيما أن سعره أوفر من النروجي أقله بـ 3 دولار. ويختلف عن الأخير قليلاً بالطعم وبحجم الشرحة التي تبدو اصغر بقليل كما يقول محمد جواد وهو شريك في مزرعة لأنتاج الترويت المسلمن، مضيفاً أن سعرالترويت المسلمن أرخص من الأجاج التركي في بعض الأحيان في حين أن طعمه ينافس السومون و ربما يتفوق عليه لا سيما بالنسبة الى الفيليه المطلوب جداً في لبنان.

والكافيار على الطريق…

 

نعم يمكننا أن نفتخر أن لبنان بات منتجاً للسلمون، الأصلي الذي ينتج في إحدى المزارع القريبة من البحر شتاء، ثم يتم إنزال الأسماك الى مياه البحر المالحة حين تصبح البرودة مناسبة للحصول على سمكة سلمون بحرية مكتملة المواصفات، والسلمون الهجين او الترويت المسلمن في مزارع نهر العاصي في الهرمل. لكن رغم ذلك لا تزال بعض الشوائب تؤثر سلباً على الإنتاج. فقد علمنا من أكثر من مصدر ان ثمة مزارع للترويت تطعم اسماكها فضلات المسالخ بدل العلف الخاص الذي يبلغ سعر الطن منه حوالى 1400 دولار وذلك في غياب الرقابة المطلوبة. وحين تأكل سمكة الترويت هذه الفضلات تختلف نوعيتها ويمكن التعرف إليها عبر بطنها الرخو غير المتماسك فيما الأسماك التي تأكل الأعلاف المدروسة تتميز ببطن مرصوص شديد وبطعم أفضل بكثير. وقد علمنا ان الجزء الأكبر من هذه الأسماك يرسل الى سوريا فيما تخصص الأسماك العالية النوعية للسوقين المحلي والعربي.

 

ما يجمع عليه أكثر من مربٍّ لسمك الترويت أن الترويت المسلمن بات مطلوباً جداً الى حد أن الكثيرين من التجار واصحاب مطاعم السمك والسوشي يمزجونه مع السلمون النرويجي المستورد سواء الفيليه أو المدخن و يبيعونه على أنه سمك مستورد بالكامل. ويؤكد البعض أن نسبة استخدامه في المطاعم تصل الى 80% فيما نسبة المستورد 20% لكنه يباع بطريقة مغشوشة على أنه سلمون مستورد. ويمكن الإشارة إلى أن سعر الـ «ترويت» في فرنسا أغلى من سعر سمكة السلمون أبّا عن جد.

 

القريدس، السلمون، وقريباً الكافيار هذا ما يعدنا به السيد عميري الذي بدأت مزرعته تنتج الكافيار إنما بكميات قليلة يصدر معظمها الى الخارج. لكن النية موجودة والظروف مؤاتية ويمكن للبنانيين ان يتباهوا بأصناف رفيعة المستوى كانوا يظنونها حكرا على بعض البلدان فإذا بها تصبح ضيفة على بركهم وموائدهم.