… هذا السوري الصغير الهارب من غضب الأرض، أخذته الى موجي وألقيت به على الشاطئ التركي، فأبكاكم جميعاً وهزّ منكم الضمائر، أهل شرق وأهل غرب. وهو ما عرف معنى الحياة بعد وله من العمر سنوات ثلاث، ولكم الكثير الكثير، وعديد من حيوات سابقة، وما فهمتم شيئاً بعد من أسرار الوجود، فأنتم أسرى عبوديتكم لأطماعكم وشهواتكم التي أبعدتكم عن مساحات الصدق والوضوح وأنتم تعرفون جيداً أن ذاك الزيح البريطاني – الفرنسي الذي قسّم بلاد سوريا الكبرى أجزاء، عاد اليوم لتفتيت بلدانكم وأنتم لا تبالون.
وما تكلم البحر عن سوريا والعراق وفلسطين، بل عن لبنان وقد دمّرت البلدان الثلاثة المحيطة به، وقُتل وهجّر أهلها. وجاء دور لبنان بإخراج جديد لا علاقة له بالعنف، بل بالزبالة، وملوك الزبالة هم من سيفتّت البلاد مطامر ومعامل تدوير، ثم يتقاسمون الأرباح.
وما كانت البلديات يوماً مختلفة عن مجالس نواب أو وزراء من حيث النزاهة والنقاء. كلهم مرتكبون، تسائلهم فلا يجيبون وتطالبهم بحقوقك فلا يتجاوبون، ويكذبون، ويديرون ظهورهم ويمشون.
صدّقنا أن لبنان سويسرا الشرق ذات يوم، ولمّا نعرض ما مرّ على الوطن من حكام وأحداث ومعتقدات، وما قسمت لنا السماء وما أعطتنا الأرض، ونحن الشعب الحمار واهمون أننا نحن من نختار، فُتحت اليد التي ترسم لنا الدرب اليوم فرأينا أكوام الزبالة والقاذورات. وجاءت ردود الفعل متشابهة رافضة وصاية حكام باتت غير شرعية. وتظاهر الشعب، وتظاهر بعضهم برتقالياً رافضاً حكاماً بعضهم مثله برتقاليون. وانقسمت علامات استفهام حول من حرّك الساحات، وهل الثوار عملاء عرب خليجيين أصحاب وعي مذهل، أم عملاء فرس ايرانيين، أعداء السنّة العرب من مئات السنين… وما الحكام أهل الفساد سوى أتباع هؤلاء وأولئك؟
يا آباء الهول، أهل النفاق الصامت والتقسيم، لا تستمعون الى الشعب ولا تجيبون عن أسئلته، وتملأون الوقت الضائع بحوار طرشان مفلس. وزير البيئة سيظل وزير بيئة، والشعب سيظل يملأ الساحات التي تجذب الفنانين الواقفين على أبواب أهل السياسة. والإعلام واقف للجميع بالمرصاد، يشعل النار فتغدو الأوهام وقوداً لها، بينما المقص الذهبي يفصّل الشعب قطعاناً طائفية، تنتمي الى مؤسسات الارض، لكل حصته. والانتماء هذه المرة الى “بلديات” تتاجر بالزبالة وسرقة الأرض. تماماً كمجلسي النواب والوزراء… ومن ثم مؤسسات “دين” تدين الشعب، أهل الخطيئة الأبدية المميتة، فلا يبقى له سوى “الضفة الأخرى” لما الارض محطة عبور فاسدة: سلة أديانها قسّمت الوطن الكبير بمن فيه بدءاً من انطاكية وانتهاء بسائر مشرق نائم تحت الرماد حتى إشعار آخر… وسكت البحر.