تعطُّل الشحن البحري هو عنوان الأزمة العالمية الجديدة التي ستبدأ تداعياتها الكارثية بالظهور تباعاً، بعدما اعلنت غالبية شركات الشحن البحري العالمية تعليق المرور بالبحر الأحمر مؤقتاً. ولبنان ليس سوى جزء بسيط من هذه الأزمة العالمية، لكنه لا شك سيتأثر فيها استيراداً وتصديراً.
بدأت بوادر أزمة النقل البحري عندما اتخذ الحوثيون في اليمن قراراً بمهاجمة السفن الاسرائيلية والسفن التي تتجّه نحو اسرائيل لدى مرورها في باب المندب قبالة البحر الاحمر، وذلك كقرار مساند للفلسطينيين في حرب غزة. وقرارهم هذا لم يكن مجرد تهديد، فهم بالفعل استولوا على سفينة محمّلة بالسيارات، لأنّ احد مالكيها اسرائيلي، وأخذ حمولتها الى منطقة الحديدة في اليمن. لكن بعدما لم تكترث اسرائيل لتهديداتهم، هاجم الحوثيون سفناً محمّلة بالنفط والسلع وحاويات، واصحاب هذه السفن شركات ملاحة عالمية من اوروبيين واميركيين وصينيين ويابانيين… على انّ هذا التصعيد فرض انطلاقة حرب جديدة ستقوم في البحر، وسيتعطّل على إثرها الشحن البحري، لا سيما بعد اعلان شركات شحن عالمية تعليق المرور بالبحر الاحمر ابرزها: MSC السويسرية، وهي الشركة رقم 1 في العالم، شركة MAERSK الدنماركية التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً، تليها CMACGM الفرنسية شركة الملاحة الثالثة عالمياً، HAPAG LLOYD شركة الشحن الالمانية رقم 5 في العالم، اضافة الى شركة «يانغ مينغ» الصينية وشركة evergreen التايوانية…
وعليه، ماذا يعني توقف خطوط ملاحية عن الإبحار عبر البحر الأحمر؟ ما ستكون تداعيات هذا التصعيد؟ هل من خطوط بديلة؟ ومن هي الدول المتضرّرة؟
في السياق، يشرح الرئيس الأسبق للغرفة الدولية للملاحة ايلي زخور لـ«الجمهورية»، انّ موقع مضيق باب المندب استراتيجي لانّه يربط خليج عدن بالبحر الاحمر الذي يصل الى قناة السويس التي تربطة بالبحر الابيض المتوسط. وتمرّ عبر هذا المضيق أكثر من 21 الف سفينة وناقلات نفط وغاز سنوياً، وهو يشكّل نحو 12% من حركة التجارة العالمية التي تشمل النفط والغاز والبضائع من شرق آسيا الى اوروبا واميركا عبر قناة السويس وبالعكس. وتمرّ يومياً ناقلات نفط تحمل نحو 4 ملايين برميل من النفط محمّلة من الخليج العربي (قطر، السعودية والكويت) متّجهة نحو اوروبا ومشكّلة ما نسبته 7% من تجارة البترول عالمياً. ولفت زخور الى انّ بعض البواخر التي تمرّ بهذا الطريق البحري تحمل معها 24 الف مستوعب، تتجّه الى اوروبا او اميركا عند الساحل الشرقي للاطلسي.
وعمّا اذا كانت هناك خطوط بديلة يقول زخور: «انّ المرور عبر قناة السويس مروراً بالبحر الاحمر يستغرق حوالى 24 ساعة للوصول الى البحر المتوسط، والبديل هو الدوران خلف قارة إفريقيا مروراً بمنطقة رأس الرجاء الصالح قبل الدخول الى البحر المتوسط، وهذه الدورة تستغرق ما بين 8 الى 9 ايام، مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع في تكاليف الوقود والوقت. عدا عن أنّ هذا التأخير يخلق خللاً بسلاسل الإمداد والشحن. أضف الى ذلك، انّ استعمال هذا الطريق سيرتب رسوماً وتكاليف اضافية على شركات الشحن التي ستجبيها من المورد والمورد بدوره سيحملها للمستهلك، وسيظهر ذلك من خلال ارتفاع اسعار السلع عالمياً». وكشف زخور انّ شركات التأمين فرضت علاوات اضافية على رسوم الحرب لترتفع من %0.07 الى 0.2%.
وانطلاقاً من ذلك، يرى زخور اننا متجهون نحو أزمة شحن بحري عالمية، ولبنان جزء بسيط جداً مما يحصل في العالم. لكن هل يمكن للبنان ان يستفيد من هذه الأزمة ويكون بديلاً عن اسواق يتعذّر التصدير منها؟
يشرح زخور انّ الشريك الاول للبنان من حيث الاستيراد هو الصين، والاستيراد من هناك يحتّم المرور بقناة السويس، اما من حيث التصدير فتحلّ الإمارات في المرتبة الاولى والذهاب نحوها يحتم المرور بقناة السويس والبحر الاحمر، ما يعني اننا متضرّرون استيراداً وتصديراً.
أما في خصّ الضرر اللاحق في القطاع الزراعي، يوضح زخور انّ اعتماد الطريق البديلة عن قناة السويس (طريق رأس الرجاء الصالح) من اجل إيصال خضار وفاكهة غير منطقي. فمن جهة لا يتحمّل تصدير المنتجات الزراعية هذه الكلفة المضاعفة في الشحن، لانّه في الأساس اسعارها بسيطة، كما لا تتحمّل كل الخضراوات شحن 9 ايام في البحر. أضاف: «يصدّر لبنان شهرياً نحو 7 آلاف مستوعب و98% من هذه البضاعة تتمّ عبر شركة الشحن الفرنسية cma cgm التي تؤمّن الخط السريع نحو جدة والخليج العربي. وما يفاقم الأزمة انّه ابّان اكتشاف تهريب الكبتاغون من لبنان إلى السعودية اصدرت السعودية قراراً بمنع دخول الشاحنات اللبنانية الى أراضيها ومنها مروراً نحو الخليج. وعليه فإنّ طريق التصدير البري نحو الخليج مقفل أمام اللبناني، وراهناً الشحن البحري مقفل بسبب هذه الأزمة، اما النقل الجوي فمرتفع الكلفة».
وذكر زخور انّ حجم صادرات لبنان الى دولة الأمارات بلغ العام الماضي 800 مليون دولار بما يشكّل نحو 34% من حجم صادراتنا، لذا تُعتبر الامارات أهم شريك للبنان، علماً انّ كل هذه الصادرات تمّت عبر الشحن البحري.
انطلاقاً من هذا الواقع، يؤكّد زخور انّ المستهلك اللبناني هو الاكثر تضرّراً من حيث الاستيراد، والصناعي والمزارع هما الاكثر تضّرراً من حيث التصدير.
قناة باناما
وعلى خط ازمات الشحن البحري تبرز أيضاً وفق زخور مشكلة اخرى في قناة باناما الواقعة على البحر الاطلسي، والتي تصل الساحل الغربي الاميركي على البحر الهادئ بالساحل الشرقي الاميركي. وقال: «انّ المرور عبر قناة باناما كان يمكن ان يكون بديلاً عن المرور في قناة السويس من اجل الوصول الى اميركا، لكن هذه القناة اصطناعية تعتمد على مياه الامطار، وبما انّ هناك تناقصاً بكميات هطول الامطار تقلّص كثيراً مرور بواخر الشحن فيها من نحو 40 باخرة يومياً الى 24 باخرة، ويُتوقع ان يتقلّص العدد الى 13 باخرة في شهر شباط، ما يعني انّ اميركا امام أزمة شحن ايضاً، واليوم هناك 120 باخرة تنتظر دورها للمرور عبر هذه القناة، أكان من المحيط الهادئ نحو الاطلسي او العكس.