Site icon IMLebanon

فتِّش عن الدولار!

على ما يبدو ولّى زمن الحديد بقضامي، ليحلَّ في الصدارة زمن الزبالة بدولارات، على الأقلّ في هذه الحقبة الذهبيّة.

من الأساس، من اللحظة الأولى لانفجار قنبلة الزبالة، رجَّح الناس أن يكون في المسألة “إنَّ”. ومالَ الرأي العام، الذي اكتشفه الشيخ الرفيق سعيد تقي الدين على صورة بغل، إلى الاعتقاد أن الأمكنة مجرَّد حجّة، فيما “الحصص” هي الموضوع.

الآن أُرجئ القرار الدولي بالنسبة إلى الزبالة اللبنانيّة إلى يوم الثلثاء المقبل كـ”موعد نهائي”.

في هذا الوقت قد تصل أبراج الزبالة في العاصمة وضواحيها، وعلى مستوى كل لبنان، إلى ما فوق أبراج الباطون وتوابعه.

رائحة الزبالة منتشرة بقوة وبسالة. ورائحة الإشاعات والدولارات أيضاً. إلا أن أحداً لم يتقدّم إلى المنصّة ويُعلن الأسباب والأسماء والأرقام، إذا كان ما يُذاع ويُشاع صحيحاً.

المثل الفرنسي الذي كان أكثر شهرة وانتشاراً في زمن الانتداب، والذي تعلَّق به اللبنانيّون وخصوصاً على الصعيد السياسي، لا يزال ساري المفعول إلى اليوم وترجمته: “فتِّش عن المرأة”.

اللبنانيّون الجُدد والأجيال الطالعة نادراً ما يتطرّقون إلى هذا المثل، بعدما سادت اللغة الإنكليزيّة وكسَحت ما عداها من اللغات الأجنبيّة، وبعدما أحلّ اللبنانيّون المال محلّ المرأة، فصاروا يقولون فتِّش عن الدولار. نادراً ما سمعنا حديثاً مالياً كان اليورو أو الأورو نجمه. الدولار فقط.

كانت جدّتي لوالدي تقول بصوت واثق حين يلتئم شمل العائلة في الأعياد: المال والبنون فرحة الدنيا.

اليوم حلّ المال في صدارة الصالونات والأحاديث والأموال، أما المرأة فقد جرفها الدولار بدورها وباتت تردّد المثل الجديد: فتِّش عن الدولار… باعتباره يستطيع أن يُغري حتى المرأة التي كانت في عهد الانتداب عنصر الإغراء الأهم.

أما البنون، فقد سلكوا الطريق ذاته. طريق الدولار. لا أحد يقول في سبيل الوطن، في سبيل التاج، في سبيل “المصلحة العليا”، كلهم جميعهم يحلفون بحياة الدولار والمال.

كثيرون من اللبنانيّين حوّلوا المال وطناً. المال موجود الوطن موجود. أجدادهم الفينيقيّون وصلوا إلى تخوم الصين، على ما تروي الدراسات الجديدة، بحثاً عن المال “البكر”. المال الذي لم تكتشفه شعوب أخرى قبلهم.

وثمة من ذكَر في دراسة دقيقة أن إتقانهم فنون الغش، وتحويل الماء زيتاً وبحص الشواطئ صابوناً، هو سبب بلوغهم بلاد السند والهند… لا رغبتهم “العلمية” في اكتشاف الشعوب ولغاتهم، إنما هربهم من عقاب الغش إذا ما وقعوا في القفص.

ليس القصد من هذه الديباجة تسليط الضوء على حجم خطورة إهمال “ثروة” الزبالة وتركها تنتشر في كل لبنان، بقدر ما هو “الإضاءة” على الدولار الذي حلّ في المثَل محل المرأة.