منذ انتخاب الرئيس ميشال عون ولبنان يتحرك تحت مظلة التسويات، فانتخابه كان تسوية، وتشكيل الحكومة جزء من تلك التسوية، ومثلها البيان الوزاري، الذي قيل فيه القليل، وحذف منه الكثير، قيل الممكن التفاهم حوله، واستبعد ما يستحيل التفاهم عليه.
من البيان الوزاري الى قانون الانتخابات، البعض يقول انه غير مفهوم، وانه مجموعة طلاسم وعجقة مواد تائهة بين النسبي والتفاضلي، والدائرة القضاء والدائرة القضاءين… والبعض الآخر يقول انه لو لم يكن بهذا التشابك والغموض، لما كان حظي ببركة مجلس النواب.
والآن الانتخابات الفرعية لإشغال ثلاثة مقاعد شاغرة، اثنان في طرابلس وواحد في كسروان، فريق يرفع الدستور بيده مناديا باحترامه وبالتالي باجراء الانتخابات الفرعية، قبل الستة أشهر من نهاية الولاية المستعارة لهذا المجلس، وغرضه استدراج أهل الحكم الى الاختبار الصعب، قبل المواجهة الانتخابية العامة، وآخر يشغل نفسه في تصريف فعل طنّش يطنّش، وحجته ان الدستور اللبناني حمّال أسيّة، ولطالما غضّ الطرف عن عبث الظروف والمصالح.
هنا ما من تسوية، فاما انتخابات واما لا انتخابات، التسوية ممكنة في حالة اعتماد نظرية سلّفني أسلّفك، والدنيا دين ووفاء…
سلسلة الرتب والرواتب، والضرائب الملحقة بها أصرّ الرئيس نبيه بري على إقرارها قبل الموازنة العامة بحكمة عنده، فيما كان رأي الرئاسة الأولى ان مكان الحصان أمام العربة وليس خلفها، وراهن كثيرون على ردّ الرئيس عون قانون السلسلة والضرائب الملحقة، على سبيل كما تراني يا نبيه أراك، واذا بمنطق التسوية يغلب أو كاد، والسيناريو يقول، بنشر القانون، ثم استتباعه بسلسلة تعديلات تهدف بمجملها الى اسقاط ذريعة المدارس والجامعات المتلهفة لزيادة الأقساط، فبيان مجلس المطارنة، المحذر من هذا، والمؤتمر الصحافي للوزير وائل أبو فاعور المنبّه منه، فضلا عن باقي الجمعيات المعنية، لم يتلاقوا عند هذه النقطة بالصدفة، وعلى أساس ان لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم.
تسوية التسويات، تلك التي حصلت في جرود عرسال، المعركة بدأت مع إقلاع طائرة الرئيس سعد الحريري الى واشنطن، وانتهت بتسوية مع عودته بعد أسبوع، تحسم منها هدنة الثلاثة أيام، والتي شغلتها المفاوضات بين من يفترض انه المنتصر ومن يفترض انه المهزوم، لا بل أصبح الأخير يفرض شروطه، وحتى شرائعه، بدليل اعدامه أحد مناصريه، بعد صعوده الى حافلة المغادرة ثم انتهت المعركة ب يا دار ما دخلك شرّ…
والآن دور داعش، ومع وجود تسعة جنود لبنانيين مع داعش، فالتعامل قد يكون مختلفا، أكان على مستوى المفاوضات، التي كانت مرفوضة في يوم من الأيام، لتصبح مقبولة اليوم، أو على مستوى المواجهات التي أخذ الجيش اللبناني ضوءها الأخضر من مجلس الوزراء، فيما أعطي قوس التفاوض الى اللواء عباس ابراهيم باديها…
خسائر تسوية جرود عرسال البشرية لم تكن قليلة، وان كانت خسارة الوسيط الشهيد أحمد الفليطي من النوع الذي لا يعوض دائما.
آخر التسويات التي تظهرت في مقررات مجلس الوزراء أمس، قضية تورّط حزب الله بخلية العبدلي، لقد تجنّب مجلس الوزراء طرح هذه المذكرة على طاولته ولم يصدر عن وزير الخارجية جبران باسيل أي ردّ، وذهب البعض ازاء حرص الكويت على الجواب، الى ردّ الأمر الى القضاء اللبناني، لكن مع تعاظم الاستياء من هذا الهروب المتمادي، كان لا بد من مواجهة الأمر، فكانت المبادرة من وزراء القوات اللبنانية وتفاعل معهم الرئيسان عون والحريري، واكتفى الوزير محمد فنيش بنفي ناعم لتهمة تورّط الحزب، وصدرت المقررات وفيها التشديد على معالجة مضمون المذكرة الكويتية وجلاء ملابساتها وكافة المعطيات المتعلقة بها….
ولا شك ان الكويت تعرف البير اللبناني وغطاه، كما لا يغيبها قول الفاروق: أعقل الناس أعذرهم للناس…