IMLebanon

على «طريق» الانهيار الثاني

 

المؤسسات في مرحلة العدّ التراجعي

 

 

لا ترجيح، أو حتّى احتمالات منطقية للفترة الزمنية التي ستستغرقها الحرب، ولكن ما هو ظاهر، أنّ ستارتها لن تُسدل قريباً ولن يستعيد لبنان حياته الطبيعية قريباً. وفي ظلّ هذا الواقع بدأت «تتراكم» في الأفق أرقام الأضرار غير المباشرة التي تفوق بتداعياتها الأضرار المباشرة. فهل ندخل في مرحلة انهيار اقتصادي ثانٍ؟

 

التحذير من الوقوع في الانهيار الاقتصادي الثاني، سيكون حتماً أسرع، ومن نوع آخر  يختلف عن الانهيار الاقتصادي الأول الذي لا نزال نتخبّط في تداعياته منذ خمس سنوات. الأوّل الذي انفجرت شرارته أواخر العام 2019، مالي واقتصادي وتحوّل إلى اجتماعيّ، نتيجة الفساد والسرقة وبطش السياسيين أصحاب النفوذ المتحكّمين برقاب المواطنين بالقرارات التي تأتي بناءً على مصالحهم وتسوياتهم الخاصة، ليكتمل المشهد مع هندسات مصرف لبنان وقرارات الدعم الأعمى، وتهريب قسم من الودائع إلى الخارج، في موازاة هريان القطاع العام…

 

أمّا الانهيار الاقتصادي الثاني كما يتمّ تصنيفه، فسيكون مغايراً ويأتي استكمالاً للأوّل لأنه سيكون نتيجة الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب اللّه» المدعوم من إيران. وبذلك ستشمل الأضرار الحجر والبشر، وفي تهديم مناطق بأكملها ونزوح وتهجير لبنانيين من منازلهم وقراهم، ومزيد من الفقر والجوع والعوز.

 

وقع أضرار الحرب

 

أمّا وقع الحرب لناحية الأضرار غير المباشرة ضمن الانهيار الثاني، فإنها ستكون قريبة من النتائج التي تسبّب فيها الانهيار الاقتصادي الأول وانتشار وباء كورونا وانفجار 4 آب في عناصر عدة أبرزها:

 

أولاً، لناحية استنزاف القطاع الصحي وتحديداً المستشفيات التي تتعرّض لضغط بسبب إقفال مستشفيات في مناطق يستهدفها العدوان فيتدفّق إليها عدد كبير من جرحى ومرضى الحرب، وبالتالي تصبح غير قادرة على الصمود على هذا المنوال لفترة طويلة.

 

ثانياً، لناحية القدرة الشرائية، وتقليص حجمها وحذف المستهلكين الكماليات من لائحة مشترياتهم، علماً أن شراء الملابس حلّ اليوم كحاجة للنازحين ما حرّك سوق البيع جزئياً (الأمر الذي لم نشهده في الانهيار الأول في فترة تهاوي العملة الوطنية).

 

ثالثاً، اعتماد المؤسسات سياسة التقشّف من جديد، لا سيّما السياحية منها التي أقفل البعض منها أبوابه وصرف موظفين خصوصاً في وسط بيروت.

 

رابعاً، خفض رواتب بعض المستخدمين الذين لا تحتاج إليهم الشركات في مثل هذه الأوضاع أو تأجيل تسديد الرواتب. وقد تبيّن أن نسبة 6% من المؤسسات التي تحوّل رواتب موظفيها إلى المصارف لم تُقدم على التحويل في نهاية شهر أيلول بعد توسّع رقعة الحرب، والسؤال كم بلغت هذه النسبة اليوم؟

 

خامساً، تريّث الاستثمارات التي كانت بدأت تتحرّك ولو بخجل في العام الجاري، على غرار القطاع العقاري الذي تحرّكت عجلته الشرائية في العام 2023 بعد استقرار العملة الوطنية على سعر 89500 ليرة منذ منتصف العام 2023.

 

سادساً، تراجع الناتج المحلي نتيجة جمود الحركة الشرائية.

 

انطلاقاً من هذه المقاربة يتفاقم القلق مع استمرار الحرب التي تصيب اقتصادنا المترنّح بما قد يؤدي إلى انهيار ثانٍ من نوع آخر أشد ايلاماً، والاقتصاد لم يستعد عافيته بعد الأزمات التي اجتاحته طوال السنوات الخمس الماضية.

 

وللغاية، أعرب تجمع الشركات اللبنانية عن خشيته من الانهيار الاقتصادي. وفي التفاصيل، عرض رئيس التجمّع والخبير الاقتصادي باسم البواب لـ «نداء الوطن»، «الواقع المزري الذي قد ننزلق إليه إذا استمرّت الحرب وما إذا كان الانهيار سيكون بحجم انهيار 2019 أو أقلّ منه.

 

20 مليار دولار

يرى البوّاب أن الاقتصاد في العام 2023 كان بدأ يتحسّن، حتى أننا وصلنا إلى نصف الطريق الذي كانت عليه القطاعات الاقتصادية في 2019، لكن الحرب أثّرت في كل القطاعات الاقتصادية، وبدأنا نلمس زيادة في البطالة بسبب عدم قدرة بعض الشركات على تسديد رواتب الموظفين. وتلك المؤسسات هي تلك التي توقفت عجلة دورانها وتراجعت عائداتها، ما سينعكس على إيرادات الدولة وعلى عمليات الاستيراد، علماً أن هناك فائضاً بقيمة 100 مليون دولار في إيرادات الدولة في موازنة 2024.

 

ولفت إلى أننا «نعيش اليوم حالة فوضى ونزوح، هناك دمار مباشر بقيمة نحو 10 مليارات دولار وضرر غير مباشر على الاقتصاد بحدود 10 مليارات دولار، أي ما مجموعه  20 مليار دولار. كما أن المصارف غير فاعلة، وبالتالي لا تسهيلات للمؤسسات ولا قروض ولا دعم خارجي وعربي بالتحديد، رغم أن مؤتمر باريس أقرّ مليار دولار لدعم لبنان والجيش لكنه ليس حلاً».

 

إلى ذلك تطرق بوّاب إلى تأثير إدراج لبنان على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة «فاتف»، فاعتبر أن التدبير لن يؤثر في الاستيراد ولكن لديه وقع معنوي ونفسي على الناس. لافتاً إلى أنه لا يوجد مؤشر إيجابي، لا مغتربين ولا سيّاح، والقطاعات بأكملها تمضي نحو الإفلاس والمطاعم التي كانت تعمل مقفلة في وسط بيروت. من هنا، فإن المؤشرات بأكملها سوداوية على أمل أن تتوقف الحرب.

 

كيف تتأثر القطاعات الاقتصادية؟

 

القطاعات الاقتصادية تتأثر بشكل مختلف جراء الحرب، ويقول بوّاب: «إن ثلث القطاع التجاري والاقتصاد اللبناني يعمل ويتعاطى في الأمور الأساسية بما قيمته نحو 8 أو 9 مليارات دولار. أما القطاعات الأخرى التي تدخل ضمن الكماليات فتعمل بنسبة 20% من طاقتها».

 

أضاف: «القطاعات التي تتعلق بالمواد الغذائية والأدوية والأدوات الطبية والمحروقات، نشطت حركتها وزاد الطلب عليها، ولم تصرف المؤسسات العاملة في هذا المجال موظفيها ولم تتأثر بل على العكس زاد عدد الموظفين العاملين فيها. لكن المشكلة تكمن في قطاع الكماليات وتحديداً المعمّرة منها مثل السيارات والشقق السكنية والمعدات المنزلية (تلفزيون، غسالة، ومفروشات…)، ومن المتوقع أن تبقى على حالها لغاية نهاية السنة.

 

وفي حال استمرار الحرب، فإن المؤسسات التي تعمل في تلك القطاعات، ستتّخذ تدابير بدءاً من العام المقبل. المرحلة الأولى استناداً إلى بوّاب، سيتم تسديد نصف معاش للموظفين وبعد شهر أو شهرين إذا استمرّ الوضع كما هو عليه، فسيكون هناك صرف جزئي لموظفين لا حاجة لهم في مثل حالات الحرب مثل موظفي التسويق والمبيعات، خصوصاً في المناطق المتضررة، وفي المرحلة الثالثة يحصل الصرف الجماعي وبعد حين تشهر المؤسسة إفلاسها».

 

الناتج المحلي

 

بالنسبة إلى الناتج المحلي، وهو المؤشّر الذي يقيّم الوضع الاقتصادي والنمو في أي بلد، يتوقّع البواب أن «تنخفض توقعات قيمة الناتج من 24 مليار دولار للعام 2024 إلى 21 أو 22 مليار دولار، علماً أنه سجّل في العام 2018، حوالى 54 مليار دولار وفي 2020 وصل إلى 18 مليار دولار».

 

واستناداً إلى توقعات الأمم المتحدة والبنك الدولي، إن الناتج المحلي اللبناني سينخفض نحو 9,7% خلال العام 2024 وهذا الرقم كارثي وهو يعادل نصف ما كنا عليه في العام 2019.

 

إذاً، نتجّه الآن نحو حلقة مفرغة من الانحدار، إذا تراجعت الحركة الشرائية يتراجع الإنتاج ويتضاءل مدخول المؤسسات وواردات الخزينة، وتتعمّق هوة الركود والجمود إلى حين الدخول في مرحلة الانهيار في القطاعات الاقتصادية والوصول إلى قعر أعمق، وذلك لا يمكن فرملته إلا عند توقّف الحرب، وإدارة محرّكات القطاع الاقتصادي للنهوض مجدّداً.