IMLebanon

الحكومات أدوات والمشكلة أصحاب السلطة

 

كان الجنرال ديغول يصف الجمهورية الرابعة في فرنسا بأنها “مخدّر، زبد على سطح البحر”. وأول ما فعله هو تأسيس الجمهورية الخامسة. اما في لبنان، فإنّ الجمهورية الثانية فقدت حتى وهم المخدر وبقيت مجرد زبد على سطح البحر. وهذا ما أعاد تأكيده انفجار المرفأ وهزال المسؤولين. فلا تراكم الكوارث على اللبنانيين دفع المسؤولين الى التوقف عن الحروب الصغيرة التي ستأكلها حرب كبيرة، ولا ما نراه من ألعاب في التشاور حول تأليف حكومة سوى لعب بالزبد على سطح بحر هائج. وليس إدمان الفراغ الذي صار القاعدة منذ سنوات سوى الوجه الآخر لإدمان التمسّك بالمواقع والحقائب والمصالح، ولو في سفينة تغرق.

 

ذلك ان الحكومة أداة في أيدي أصحاب السلطة وبعض أصحاب المناصب. وهؤلاء استخدموا حتى الآن ثلاثة نماذج من الحكومات – الادوات: حكومات الوحدة الوطنية، حكومات قوى 8 آذار واللون الواحد. وحكومة الاقنعة الاكاديمية للسياسيين المستقيلة حالياً. والنماذج الثلاثة كانت فاشلة. لكن من الوهم فصل الأداة الفاشلة عن الأيدي التي تحركها، بصرف النظر عما اذا كان فشل أصحاب السلطة بسبب الجشع وقصر النظر او بالقصد من أجل وراثة البلد بعد انهيار النظام.

 

ولن يتغير شيء، مهما تبدلت الحكومات، ان لم يتغير أصحاب السلطة او أقله ان لم تتغير الطريقة المتبعة في إدارة السلطة. فكيف اذا تصرف بعض أصحاب السلطة كأن شعاره “انا في الحكومة اذن انا موجود”، وتصرّف بعضهم الآخر كأن المسألة هي “أن يكون في حقائب معينة أو لا يكون”، وتحدّثوا جميعاً عن “مؤامرة كونية” عليهم؟ وكيف اذا كان “فائض القوة” لدى “حزب الله” يأخذ لبنان المفلس والمأزوم الى ما يمكن ان نسميه “فائض الدور” المحلي والاقليمي للوطن الصغير؟ ألم يعلن السيد حسن نصرالله العام 2008 عندما كانت قوى 14 آذار تملك الاكثرية النيابية ان “معركتنا ليست مع الاكثرية بل مع اميركا ومشروعها؟”.

 

لعبة الحكومة مضحكة. فالطريق الدستوري، وهو الاستشارات الملزمة والتكليف ثم التأليف، مملوء بالعقبات التي تؤدي الى فراغ طويل. والتحرك عكس السير الدستوري، وهو البحث في التأليف قبل التكليف، يصطدم بالعقبات نفسها، وليس ضماناً لولادة حكومة سريعاً عبر “الخط العسكري”، بل مشروع مشكلة اضافية مع الطائفة السنية. فمن يتحكم بالتكليف والتأليف هو حسابات أبعد من الحكومة. ومن يدير اللعبة هو “ثلاثي” داخلي و” ثلاثي” خارجي. الاول يضم “الثنائي” الشيعي والعهد ممثلاً برئيس “التيار الوطني الحر”. والثاني يضم فرنسا واميركا والسعودية. وكلّما قيل في الخارج على الطريقة الديبلوماسية أنّه “ليس لنا التدخل لان المهمة للداخل”، طلبنا المزيد من التدخل، ورأينا الداخل يضع الخارج في حساباته وبالعكس.

 

لكن هذه ساعة الحقيقة قبل الخراب. دقاتها أعلى من صوت الانفجار الرهيب الذي دمر المرفأ وبيروت. و”لا أصمّ إلا من لا يريد ان يسمع”، كما يقول المثل. والمسألة اليوم هي، جوهرياً، أن يكون لبنان او لا يكون.