Site icon IMLebanon

أمين السرّ

 

كان ركنه المتواضع محطّتنا الأولی ما إن نلج باب الطابق العلوي من الصرح البطريركي في بكركي… أصلاً الزيارة (توقيتاً ولقاءً مع السيّد  البطريرك) ما كانت لتتم إلاّ عبره.

وما إن ندلف الى ذلك  المكتب الصغير،  الى يمين المدخل، حتى تطالعنا بسمته التي لا أذكر أنني قابلته مرة إلا كانت مرتسمة على وجهه الصبيح.

فيرحّب بها قبل يديه وفنجان القهوة.

كان أمين سّر البطريركية المارونية الخوري ميشال عويط نموذجاً عن الرجل المثقف (واسع الثقافة الشاملة)، تتكدّس الكتب على المكتب وفي الخزانة، وحتى في الزوايا وعلى الأريكة الوحيدة التي لا يتسع ذلك المكان لسواها، بإستثناء كرسيين أمامه.

 

الحديث معه كان ممتعاً قدر ما كان لماع الذكاء، حاضر البديهة، «جوابه تحت إبطه» كما يُقال، الكلمة عنده تقع حفراً وتنزيلاً.

 

المونسنيور ميشال عويط كان لاهوتياً متعمقاً في الشأن الديني، ليس الدين المسيحي وحسب بل أيضاً في الإسلام واليهودية. وأعترف بأنّه غير رأيي في الكتاب المقدس العهد القديم  الذي كانت قراءتي له تنطلق من خلفية سياسية. وعندما توفرتُ على كتاب له في العهد القديم رأيتني أميل الى رأيه، ثم أقتنعُ به.

 

كان يعرف كثيراً ويكتم كثيراً… أليس أنه «أمين السّر»…

ولو شئتُ أن أزيد لقلتُ كان «كاتم الأسرار».

عرف الخوري ميشال عويط كيف ينسج شبكة علاقات واسعة مع رجال الصحافة والإعلام، وبالطبع مع رجال السياسة من الاتجاهات كافةً. كانوا (وما زالوا) يحجون الى بكركي (والى الديمان صيفاً) ولا بدّ من محطة في مكتبه. وكان كلٌّ منهم عندما يغادر بكركي، يحفـظ ما جرى في تلك المحطة مثل ما يحفـظ ما جرى في اللقاء مع البطريرك، الذي كان في تلك المرحلة الكاردينال نصرالله صفير أمدّ الله في عمره.

قلّة نادرة كانت خبيرة بطوايا الخوري ميشال. وفي مقدمها الصديق الأحب الزميل جورج عرب الذي كان والخوري ميشال يتبادلان إطلاق اسم «معاوية» كلٌّ منهما على الآخر… دلالة على الاعتراف بالذكاء الحاد.

 

عرفت الخوري ميشال عويط في مرحلة الدراسة الثانوية عندما كنت متطوعاً في مهمة إنسانية نقضي، من أجل القيام بها، يومين في قضاء الكورة حيث نلتقي تلامذة المدارس الابتدائية والتكميلية… وكان الخوري ميشال عويط المرشد الروحي لتلك المهمة بقرار من المطران الزعيم المثلث الرحمة أنطون عبد الذي لم تكن »قلاّية الصليب« في طرابلس تتسّع لدوره الديني والوطني والسياسي الكبير، والذي كان صديقاً صدوقاً للمغفور له الرئيس الشهيد رشيد كرامي، والذي كثيراً ما كان يردد على مسامعي، أنا الشاب اليافع، قوله: يا ابني إن اجمل ما أستمع إليه فجراً صوت المؤذّن يقرأ الآيات البيّنات.

 

رحمات الله عليك يا أبونا ميشال، والعزاء للسيد البطريرك ومطرانية طرابلس ولذويك، وستظل في الذاكرة عنواناً لكاهن «غير شكل».