تقرير ديبلوماسي زيارة هولاند لبيروت رهن لقائه مع محمد بن نايف وروحاني
«رسالة سرّية» من الفاتيكان لقيادات الموارنة: اتّحٍدوا وانتخبوا رئيساً
تأجلت زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى لبنان الى ما بعد استقباله ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن نايف في 5 تشرين الثاني المقبل وبعده الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في 15 من الشهر ذاته.
وتقول أوساط ديبلوماسية فرنسية رفيعة لـ«السفير» إنّ الزيارة الرئاسية الفرنسية «مؤجلة الى أجل غير معروف، وبالأصل لم يتمّ تحديد موعد لها». وأشارت الأوساط الرفيعة الى أن «هولاند لن يزور لبنان قبل أن يتأكد من أن الزيارة ستكون مفيدة وستنتج مبادرة معيّنة تصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين»، لافتة الانتباه إلى أنه «في ظلّ الخلاف السياسي السعودي ـ الإيراني المحتدم، فلن تثمر الزيارة الفرنسية أية نتائج سياسية وبالتالي من الأفضل تأجيلها. وتريد فرنسا أن تثمر الزيارة إيجابية سياسية، وخصوصا بالنسبة الى رئاسة الجمهورية اللبنانية، إذ لن يكتفي الرئيس هولاند بالمجيء الى لبنان ليزور مخيّمات للنازحين السّوريين فحسب، بالرغم الأهمية التي تعطيها فرنسا لهذا الموضوع الإنساني أيضا».
وفي إطار الحراك الفرنسي ـ الفاتيكاني المشترك حول الملفّ الرئاسي اللبناني، قالت أوساط رفيعة على صلة وثيقة بالدوائر الفاتيكانية لـ «السفير» إنّ «التنسيق الفرنسي الفاتيكاني حول الملف الرئاسي اللبناني مجمّد حاليا بسبب أولويات فرنسية أخرى تفوق اهتمامها بلبنان، وبالتالي فإن أي حديث مع المسؤولين الفرنسيين غير مفيد حاليا لأن باريس تنتظر ما ستؤول اليه المحادثات بين إيران والسعودية».
وتشير الأوساط الرفيعة الى أنّ «حادثة منى المأساوية، التي قضى بموجبها آلاف الحجاج من العالم وبينهم 463 إيرانياً، ستلقي بظلالها على العلاقة بين البلدين (إيران والسعودية) وقد تسوء الأمور أكثر بينهما». أما التوسط الفاتيكاني مع إيران في ما يخص الملف الرئاسي اللبناني فمجمّد أيضا «وقد تعثّر أخيرا لأن لدى الإيرانيين هموماً أكبر بكثير من الانتخابات الرئاسية اللبنانية التي أعلنوا مرارا بأنّهم لا يتدخلون في شأنها». وتلفت الأوساط الى «أنّ ما حصل في منى سيعقد الأمور أكثر وهذا لا يصبّ البتة في مصلحة لبنان»، وبرأي الفاتيكان فإنّ «الحلّ يكون في اتحاد المسيحيين في ما بينهم، لكن للأسف فإن هذا الأمر لا يبدو متاحا، وبالتالي لم يتبقّ إلا الصلاة»، بحسب الأوساط الفاتيكانية.
رسالة البابا فرنسيس
من جهتها، كشفت الأوساط الرفيعة ذاتها أنّ البابا فرنسيس كتب رسالة (منذ نحو عشرة أيام) الى الزعماء المسيحيين الموارنة (لم يحدّد المصدر هويتهم)، وطلب منهم «الاتحاد والتضامن من أجل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية».
وأثناء زيارة البابا الى الولايات المتحدة الأميركية تلقّى عشرات الرسائل النصية، عبر الهواتف المحمولة لمعاونيه، من مسؤولين لبنانيين وشخصيات على علاقة بالفاتيكان، لتذكير الحبر الأعظم بإثارة الموضوع الرئاسي اللبناني مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وقد أثار البابا فرنسيس موضوع لبنان فعليا بحسب تأكيد هذه الأوساط، وينتظر المعنيون في الفاتيكان التقرير الذي سيرفعه البابا الى الدوائر المعنية في الفاتيكان لمعرفة ردّ الرئيس الأميركي.
وتقول الأوساط ذات العلاقة الوثيقة بالفاتيكان إنّ البابا فرنسيس «حزين جدّا لما آل إليه الوضع الرئاسي اللبناني، وهو يريد أن يزور لبنان ضمن جولة له في المنطقة ستشمل أيضا سوريا والأردن، وقد بدأ الإعداد لها في الدوائر الفاتيكانية المختصّة. ولكنه لن يزور لبنان قبل انتخاب رئيس للجمهورية. هو لن يتوانى أيضا عن زيارة سوريا لأنه رجل سلام ولا يخاف من الموت».
بالنسبة الى بكركي يبدو أن ثمة امتعاضا فاتيكانيا متناميا من بعض الممارسات التي يصنّفها الفاتيكان ضمن خانة «المحسوبيات». وهنا يعود الكلام على موضوع البناء على قطعة أرض تابعة لبكركي من دون حتى استشارة الدوائر الفاتيكانية لغاية اليوم.
لكنّ المسؤولين الفاتيكانيين، بالرغم من الامتعاض الذي يظهرونه أمام محدثيهم، يدركون تماما بأنهم لا يمكنهم فعل شيء حيال الأمر «لأن الكنيسة المارونية مستقلة تماما إداريا وماليا والبطريرك هو بمثابة بابا الكنيسة المارونية». لكن الأوساط الفاتيكانية تشير الى أن «كلمة البطريرك غير مسموعة من السياسيين اللبنانيين لأنّ ثمة حصانة مفقودة لديه تمنعه من فرض رأيه عليهم».
وتعطي الأوساط مثلا حصل منذ فترة حين دعا البطريرك بشارة الراعي الزعماء الموارنة الأربعة الى اجتماع في بكركي بحضور السفير البابوي غابريال كاتشيا فلم يحضر أي منهم متذرعين بأسباب أمنية، فبقي السفير والبطريرك وحيدين في قاعة الاجتماعات! وتتحدث الأوساط لـ «السفير» عن امتعاض فاتيكاني متنام في الوقت عينه من المسؤولين الموارنة، كاشفة أنه أثناء زيارة وزير خارجية الفاتيكان المونسينيور دومينيك مامبرتي الى لبنان «ضغط الفاتيكان من أجل حصول لقاء بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع لكي يتفقا من أجل تسهيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن للأسف فإن اللقاء حصل من دون أن يثمر انتخابات رئاسية». هذا الفشل أحزن الفاتيكان، وقد صعقته «قلة مسؤولية الطرفين»، بحسب تعبير الأوساط المذكورة. وبالتالي فإنّ كلّ شيء مجمّد الآن في انتظار التقرير الذي سيرفعه البابا فرنسيس بعد عودته من أميركا.. وفي لبنان انتظار لعودة السفير البابوي غابريال كاتشيا من عطلة الصيف الطويلة.