وسط هذا الكمّ الهائل من الأزمات السياسية الذي يُلقي بظلّه على المشهد السياسي اللبناني، لم يحمَ بعد وطيس متابعة النّقل المباشر للمحكمة الدوليّة من أجل لبنان، مع أنّه للمفارقة ثمّة من يتولّى الدفاع عن «قدّيسي» حزب الله المتهمين بالتدبير والتحضير والتنفيذ لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلا أنني استوقفتني بالأمس -وللمناسبة أنا لا أتابع النشرات الإخبارية المحلية وأكتفي بما يرد على المواقع الإلكترونية من أخبار- معلومة إخباريّة رئيسيّة على شاشة تلفزيون المستقبل، احترتُ في تفسيرها وتحت أيّ خانة تصنّف، هل هي خطأٌ غير متعمّد، أم أنّها خطأ كبير يجب التوقف للتنبيه عليه والإشارة إليه للمعنيين بمتابعة ملفّ سير المحاكمة والشهود.
والخبر ورد على هذه الصيغة، «استجوبت المحكمة الدولية اليوم الشاهد السري المدرج في برنامج حماية الشهود، والذي رمزت إليه بـ(أحرف وأرقام)، وهو سائق سيّارة الإسعاف في موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، [وبهذا تكون المحطة قد خرقت أمن أحد الشهود وعرّضته وعائلته لخطرٍ محدق]، ثم عرضت المحطة تسجيلاً لرجلٍ مموّه الوجه والصوت»، متجاهلة أنّها كشفت في الخبر عن هويّة الشاهد، بقصد أو عن غير قصد، إذ لا مجال في أمرٍ دقيق وبهذه الخطورة أن تعرّض سلامة الشهود للخطر من باب «سبقٍ صحافي» أو «اقتداءً» بأخطاء ارتكبتها محطات إعلامية أخرى ـ من ضمن سياسة تضليل الرأي العام والتشويش على المحكمة الدوليّة وهي اليوم تمثل أمام المحكمة لمعاقبتها على اعتداءاتها السّافرة بحقّ المحكمة الدوليّة!!
هو خبر «مستهجنٌ» أن يصدر عن محطّة معنيّة مباشرة بالمحكمة الدوليّة، ومعنيّة بالحفاظ على أمن الشهود في قضايا اغتيال تعرّض لها كوكبة من رجال لبنان وقادته وطليعتهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والخطأ الذي ارتكبته المحطّة بالتأكيد غير مقصود ولكنّه خطأٌ مميت، فكيف الحال بشهود سرييّن أساسيين وتبعات كشف هوياتهم من دون ذكر أسمائهم، إلى أيّ مدى سيصدّقون بعدها أنّ هوياتهم ومهنهم مستورة وأنّهم داخلون تحت رعاية برنامج حماية الشهود، علّ تنبيهنا يلقى أذناً صاغية عند المعنيين به؟!
وفيما يتعلّق بالمحكمة الدوليّة، وبالنّقل المباشر لجلساتها، ففي الحدّ الأدنى، نميل إلى الظنّ أن الشعب اللبناني سيُتابع في مقبل الأيام جلسات المحكمة الدوليّة، متى تلاحقت شهادات أكثر سياسيّة وأسمن معلومات، فالشهادات حتى الآن في غالبها تقنيّة، وفي الحدّ الأقصى نُدرك أنه متى انفتحت كلّ الملفّات أمام منصة قضاة المحكمة، ستضرب «حمّى الحقيقيّة» الواقع اللبناني الهشّ، مع قناعتنا التامّة بأنّ ما احتاج إلى تسع سنوات مع التحقيق الدولي، وسيحتاج سنوات قليلة مع المحكمة الدوليّة، عرفه اللبنانيّون منذ اللحظة الأولى، وأنّ مجالس كثيرة شهدت اتهاماً كبيراً لحزب الله بالتورط في جريمة العصر، وشهدت دفاعاً خجولاً بلغ من عجزه حدّ ترديد «إذا كان الحزب متورطٌ فأكيد بدون علم السيّد (لفظ يقصد به على لسان أي مواطن شيعي أمين عام حزب الله حسن نصرالله)، خلال الأشهر المقبلة أو السنوات المقبلة لن يلبث كثيرون أن يُدركوا أن هكذا قرار لا يؤخذ إلا بموافقة «السيّد» ومن فوقه قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، ومن فوق الاثنين مباركة مرشد الجمهورية الإيرانيّة علي الخامنئي، وأنّ اغتيالَ رجل بحجم الرئيس الحريري كان اغتيالاً لخطّ الاعتدال السُنّي في المنطقة برمّتها، وأنه كان -رحمه الله- حجر الزاوية المعطّل للمشروع الإيراني في تنفيذ «الشرق الأوسط الإيراني الكبير»، وأنّ تردّدات زلزال اغتيال الرئيس الحريري ما زالت مستمرة وكيفما وجّهنا وجوهنا في العالم العربي، نُدرك أهميّة اغتياله القصوى لأصحاب مشروع الإمبراطوريّة الفارسيّة العظمى الذي يتهاوى برغم تظهير صورة انتصار وهميّ في اليمن أو في القلمون والقصير السوريتيْن!!