كان منتظراً أن تنجح “الأمانة العامة” لقوى 14 آذار، في الذكرى العاشرة للانتفاضة، في استجلاب اوسع شريحة من جمهور الحركة الاستقلالية، إلى المساهمة فعليا في الارتقاء بعملها، وفتح أبوابها لكل من ينتمي فكرا وممارسة الى “لبنان اولا”.
فالمبرر الفعلي لتبني “المجلس الوطني”، هو ان يكون منبرا لكل من يريد الدولة، ويرفض منازعتها على احتكار السلطة والسلاح، وتحديدا المعارضة الشيعية. فهي الاكثر معاناة من سطوة “حزب الله” على الحياة العامة، وإلحاق الطائفة بطهران، وسفح دماء شبابها في سبيل وهم امبراطوري فارسي، يعاكس التاريخ، وهوية المنطقة.
ابرز الغائبين عن المؤتمر، وقبل المشاركة الشيعية، الديموقراطية: لم تظهر في التحضير، ولا في يوم 14 آذار نفسه. فلقد جالت في الذاكرة، لحظة اعلان اسماء الهيئة التحضيرية، “طبخات” الاحزاب اليسارية والقومية واليمينية المحلية والعربية: لم يستشر المؤتمرون في اسماء من ائتمنوا على صوغ النظام الداخلي، ولم يسبق ذلك فتح باب الترشيح، وكأن “الطبخة” اعدت تحت الطاولة.
ليست هذه الملاحظات تنكرا لأهمية ما حققته “الامانة العامة” منذ تشكلت قبل 8 سنوات. يكفيها فخرا انها بقوة الموقف، هزمت سعي الحزب المسلح الى الهيمنة على البلاد: بعد انهاء الاحتلال الاسرائيلي في ايار 2000، ليمسك بالسلطة، وبعد حرب تموز 2006 لتحقيق غلبة غير مستحقة، وبعد 7 أيار 2008 لجني ثمار الترهيب، وقبلها يوم اقفل وسط بيروت لعام ونصف عام، وحاصر السرايا وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وكذلك يوم اسقط حكومة الرئيس سعد الحريري (2011).
لكن الانطلاق الى فضاء ديموقراطي أرحب، يتطلب ان تبدأ المرحلة المقبلة بـ”ديموقراطية” فعلية، بينما ما بدا اشبه بمشهد مسرحي مرسوم. إلا أن الأوان لم يفت بعد: فنقاش مشروع النظام الداخلي يجب ان يكون موضع اوسع مشاركة ممكنة، لا سيما من منظمات المجتمع المدني، واهل الفكر والخبرة، وايضا في اتساع أفقي يشمل المناطق كافة، عبر مجالس اقليمية، بحيث يتظهر التفاعل السياسي بين المركز والاطراف.
اما برنامج العمل السياسي للمرحلة المقبلة، فلا بد من اغنائه في ورش عمل، تحدد عناوين الدرب الى الدولة.
في المقابل، لم يصب المتسائلون: ماذا فعلت 14 آذار؟ لأن السؤال الحقيقي هو: ماذا فعل أصحاب السؤال المكرر. فهم كأنهم يقفون على الرصيف المقابل لتسجيل نقاط فشل، لا للعمل على تحقيق فوز. لم يشاركوا في الأمانة العامة لزيادة فاعليتها، ولم يشكلوا اطار عمل يتقدم عليها، أو يصوب المسيرة.
مع ذلك، تبقى 14 آذار نهجا اوسع من ان تستوعبه أمانة عامة أو مجلس وطني، انه نهج لبناء الدولة، رسمه ما يزيد على مليون ونصف مليون من اللبنانيين في لحظة تاريخية، توحيدية، لن تمحى، ولن تتكرر، لانها مستمرة في الوجدان الوطني.