قبل أسبوعين تقريباً، طرح الرئيس أمين الجميّل السؤال الصعب: «ألم يحن الأوان لإعادة جمع 14 آذار؟»، بعد أن كان هو نفسه أول من ميّز نفسه عن قرارات هذا الفريق، لتلحق به بعدها غالبية حلفائه. إعادة فتح باب النقاش حول إمكانية تبنّي تيار المستقبل لترشيح ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وتنسيقه بالدرجة الأولى مع نبيه بري ووليد جنبلاط وتوقف اجتماعات الأمانة العامة وغياب القرار لديها، تعيد السؤال عن ماذا تبقى فعلياً من «ثورة الأرز»
التاسعة إلا ربعاً من صباح الثلاثاء، النائب السابق فارس سعيد موجود في مكتبه في الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار. يداه تتصفحان كتاب المؤرخ من الجامعة العبرية في فلسطين المحتلة يوفال نوح هراري، «اليهودي من أصل لبناني»، والذي يُخبر فيه عن تحول البشر في الـ200 سنة المقبلة إلى «سايبورغ شبيه بقدرات الإله». من النظريات التي يُقدمها الكتاب، الفارق بين الحيوان والإنسان الذي من الممكن إقناعه بفكرة غير ملموسة على العكس من الحيوانات.
من هذه النقطة، يبدأ سعيد تبشيره بضرورة «تقديم فكرة وطنية تكون بقياس لبنان»، شبيهة بفكرة 14 آذار 2005، «كانت من أجل النضال لفكرة اسمها استقلال البلد»، غير غافلٍ عن أن مرور 11 سنة وتبدل الظروف الداخلية والإقليمية يُصعّبان الأمر. يسكت قليلاً قبل أن يلتقط عن الطاولة ثلاث أوراق ويبدأ قراءتها. هذا هو نصّ المبادرة الجديدة التي يستعد سعيد لإطلاقها تحت عنوان: المصالحة الوطنية، ويريد أن تكون نواتها الصلبة «حركة شعبية عفوية». لا يزال ينقص المبادرة الجديدة «آلية العمل» التي فقدتها 14 آذار منذ أن انتهى دورها. أما عن الحدث الذي سوف يدفع الناس المحبطين إلى العودة إلى الشارع فـ»هي حلب». يقولها سعيد بكل ثقة، «حين يتعب حزب الله في سوريا سوف يأتي هو إلى المصالحة. المعركة معه على هندستها». يقطع تسلسل أفكار منسّق الأمانة العامة اتصالٌ يرده من العاقورة (جبيل)، موضوعه متابعة أزمة موسم التفاح.
يأتي اللقاء مع سعيد بعد عودة النائب سعد الحريري إلى لبنان ولقائه النائب سليمان فرنجية في بنشعي. حركة الحريري السياسية، التي استكملها أمس، أعادت ملفّ رئاسة الجمهورية إلى الواجهة. هناك أجواء جديّة أن الحريري لم يعد يُمانع دعم عون. أصلاً رئيس الوزراء الأسبق كان أول المبادرين، من فريق 14 آذار، حين وعد سيّد الرابية خيراً ليعود ويُنكره. وبعدها تتالت الصفعات التي تلقّاها «الآذاريون»: الحريري يُرشّح فرنجية ويتخلّى عن ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. الأخير يردّ الصاع عبر إعلان دعم ترشيح عون من معراب.
وأخيراً، الحريري يبحث عن تسوية تُعيد العماد إلى قصر بعبدا. لم تكن هذه المحطة الأولى في إضعاف 14 آذار من الداخل. الأمثلة على ذلك كثيرة، وسعيد يحفظ تفاصيلها جيداً. بيد أنه ما زال يُكابر، رافضاً دق المسمار الأخير في نعش الأمانة العامة، «14 آذار هي المصالحة اللبنانية التي أدّت إلى عدد من الانتصارات الوطنية. بعد 11 سنة عاد اللبنانيون إلى مربعاتهم وعدنا إلى الحرب الباردة». الحل، من وجهة نظره، «إعادة تكوين المصالحة الوطنية»، طبعاً مع التصدّي لحزب الله الذي «يريد تشكيل لبنان وفقاً لشروطه». المسؤولية لا تقع فقط على «سعد (الحريري)، وسمير (جعجع) وأمين (الجميل)، بل على كلّ اللبنانيين (…) خلّيهم (الأحزاب الآذارية) يروحوا يجربوا حظن، منرجع منتلاقى أكيد».
من عادات النائب السابق أن يُغرّد على «تويتر» فجراً. أول من أمس، ضبط ساعته على توقيت بنشعي، فطمأن «جميع الـ14 آذاريين» بأن يذهبوا «إلى النوم العميق، العماد عون لن يُنتخب رئيساً، وتابعوا أحداث حلب ومناظرة كلينتون ــ ترامب ولا تضيّعوا أوقاتكم». لا أحد يعلم مصدر تفاؤل سعيد الدائم وإيمانه وثقته بأحزاب فريقه السياسي. «لست بصدد محاكمة 14 آذار لأنني جزء منها»، يقول. يرمي الكرة في ملعب حزب الله، على أساس أنه هو الذي «أعاد اللبنانيين إلى الطوائف»، غاضّاً الطرف عن أن زعماء 14 آذار لا يُظهرون، على الأقل، أي ممانعة. يتجنّب سعيد تقديم موقف واضح من تحركات الحريري، تحت حجة أنه يريد الحفاظ عليه، «سعد من أهم الشخصيات التي حاولت المحافظة على المصالحة الوطنية. لم يستنفر الجمهور السنّي ضدّ حزب الله كما فعلت قيادات أخرى، ولم يوقّع على ورقة الاستسلام بعد». يؤكد سعيد أن الرئاسة الأولى «ورقة سيُفاوض بها حزب الله الإدارة الأميركية الجديدة. هو شأن إقليمي ــ دولي لا يتأثر بعشاء في بنشعي»، حتى الأجواء الإيجابية التي تصدر عن المستقبل سببها أنّ «الحريري عم بشيلها عن ضهرو». ولكن إذا صدقت التوقعات وانتخب البرلمان ميشال عون رئيساً للجمهورية فـ»سأكون المعارضة بوجه عون وكل من يؤيده. يجب أن يكون هناك تسوية وطنية».
التطورات السياسية فرزت القوى السياسية إلى محورين أساسيين، يتحكمان في المسار: حلف حزب الله ــ عون من جهة، وحلف الرئيس نبيه بري ــ الحريري من جهة أخرى. يقول سعيد إنّ «ثنائية بري ــ الحريري قديمة، تجمعهما مع النائب وليد جنبلاط أمور عدة غير كافية لتأسيس تيار ثلاثي». أما بالنسبة إلى جعجع، فـ»العلاقة معه متينة رغم أنني غير موافق على ترشيح عون. عودته إلى المساحة الوطنية حتمية وأكثر من ضرورية». يريد سعيد أن يبتعد الجميع عن الاصطفاف الطائفي «ونؤسس لشيء وطني حتى لو لم يكن اسمه 14 آذار». ولكن قبل أن يخرج المارد ويُحقق أمنيات طبيب القلب، يُشدد باسماً: «14 آذار أهم منن كلن». كلماته تصيب الأقربين قبل الأبعدين.