IMLebanon

أسرار آذار

ما حمل شهر ألغازاً كتلك التي حملها آذار، حتى ان شكسبير حذّر من تقلّباته في مسرحية يوليوس قيصر، فآذار منجم أسرار ومرآة حياة تعكس حركة الانسان النابعة من تواصل الفكر والقلب.

والكلام عن آذار لبنان الذي يحمل أول أيامه ذكرى مولد المفكّر والفيلسوف انطون سعادة في بدء القرن العشرين، وقد فتح على مقاربة جديدة لبناء أمّة سورية، مساحتها بلاد الشام التي آمن بها وطناً متكاملاً، مدني الهوية، مكتفياً اقتصادياً واجتماعياً، واستراتيجياً، جذوره كنعانيّة غنيّة بفكر نما على شاطئ متوسّطي نابض بمعرفة العلوم والفلسفة وبكل أبعادها، حتى علم الذرّة على يد ماخوس العالم الصيداوي، وعلم نماء المعرفة الباطنية على يد الكاهن الكبير ملكي صادق، ثم صحوة روح دعا اليها السيد المسيح لافتاً الإنسان لأوّل مرّة الى أسرار الحب داخل العمارة الإنسانية.
ومن الشاطئ المتوسّطي، من جبيل وصيدا وصور الى أوغاريت وإيبلا ودمشق ونماء معرفة عكست حضارة متوسّطية نابضة فكراً وعلماً وفنّاً وفلسفة، وصولاً إلى بلاد دجلة والفرات، إلى بابل حيثغلغامشأمير البحث عن سر أبديّة الحياة في عمق البحار، وحيث تداخل صراع البحث مع نبض الحب الذي وحده يضيء على المعرفة.
وأيّام آذار تحمل جديداً اليوم، فهناك يوم المرأة العالمي، وهناك يوم الأرض، وكلاهماأم“. وقبل أن نصل إلى الثامن والرابع عشر منه، مررنا هذا الشهر بحدث جاء اشارة لا لبس فيها الى تجدّد الحياة المستمر وقيامتها من تفكّك الأوطان العربيّة وموتها لمّا مرّ بها ربيع كارثي قيل إنه يحمل ثورة على فكر عربي تحجّر، فإذا بنا داخل عاصمة جهل مذهبي حملت دماراً وموتاً حيثما حلّت فوق بلاد الشام.
والإشارةالظاهرةجاءت مرافقة لعنصر الموسيقى المتلازم مع عناصر الوجود، وأصوات أطفال من كل البلاد العربية تغني الوطن والحنين والحب في احتراف قلّ نظيره، على عكس ما عرف العرب مدى تاريخهم الحديث.
وفي رجوع إلى يومين آذاريين ممسرحين على سطحية تحمل تخلّف فكر لا يليق بلبنان البدايات كما قرأنا عنه، نلتقي الثامن منه، يدق قلبه حباً لسوريا، والرابع عشر يدق قلبه كرهاً لتلك السوريا. ونلتقي لبنانيين داخل وطن مفتّت بكل مؤسّساته وسياسيّيه، تفترش حدائقهم وطرقاتهم مزبلةتبشّربنهايات أليمة لموسم حقد وجهل ولامبالاة وتكالب على المناصب.
والحادي والعشرون من آذار يأتي حاملاً فصل الربيع وعيد الأم وسرّاً من أسرار الوجود، عظيماً، يحكي عن العودة من الدمار إلى الحياة، كما في عودة أدونيس كل ربيع، وكما في قيامة السيد المسيح من الموت، وكلتا الحالتين تحمل حكاية حنين إلى حب يأخذ الظلام عن الحياة فتعود تنبض من جديد. فما من منقذ إلاّ الحب.